أجرت شبكة CNN تحقيقات حول جوانب مختلفة من نشاط كرة القدم في قطر، شملت التحقيقات لقاءات مع لاعبي كرة قدم، ومنظمات إنسانية، ونقابات عملية وهيئات دولية، من أبرزها الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، كما أجرت اتصالات، فشل بعضها، مع سلطات كرة القدم في قطر وحكومتها. وصوّر لاعبون، كانوا نجوما في دوريات دولهم، وكذلك في دوريات أوروبية، الحالة "غير الإنسانية" التي باتوا يعانون منها إما في قطر أو بسبب تجربة فاشلة فيها. كما تحدث مسؤولون من هيئات حقوقية ونقابية عن "مأساة" حقيقية يعيشها العمال المشرفون على إعداد البنية التحتية من طرقات وفنادق ومنشآت وملاعب، ستحتضن نهائيات كأس العالم عام 2022. وقال الاتحاد الدولي لكرة القدم في بيان لـCNN إنّ "إجراء كأس العالم في الشرق الأوسط يوفّر فرصة عظيمة للمنطقة لاكتشاف أن قوة كرة القدم تعد منصة للتغيير الاجتماعي الإيجابي." وأضاف البيان "أن الاتحاد الدولي يضع حقوق الإنسان وتطبيق معايير السلوك الدولية مبدأ أساسياً، وجزءاً من جميع أنشطتنا." وقال الفيفا إنّ مسؤولين منه عقدوا اجتماعات مع اتحاد النقابات العمالية الدولي، ومنظمة هيومن رايتس واتس. وعبر البيان عن أمل الاتحاد الدولي في أن يسفر الحوار بين السلطات القطرية ومنظمات مثل هيومن رايتس واتش في "بناء" كأس العالم 2022. وتعهد الاتحاد الدولي بأن يستثمر كل الفرص لتعزيز الجوانب الإيجابية، وخفض التأثيرات السلبية لنهائيات كأس العالم، من الآن وحتى 2022، على أساس "استراتيجية مسؤوليتنا الاجتماعية."
حالة بلونيس: لا يستطيع لاعب الوسط الجزائري، زاهير بلونيس، مغادرة الدوحة منذ أشهر، بعدما منعه نادي الجيش القطري من مغادرة البلاد، بسبب قيامه برفع قضية ضد النادي. ويقول اللاعب إنه تعرّض للابتزاز من طرف المدير الرياضي للفريق القطري، الذي ابتزّه بمنحه وثائقه للخروج من البلاد، مقابل التنازل عن أجرة 21 شهراً، التي لم يتلقاها حتى الآن، رغم إمضائه مدة 5 سنوات في الفريق تنتهي في يونيو/ حزيران 2015. وفي تصريحات لـCNN قال بلونيس: "سأضرب عن الطعام، وسأدخل إضراباً مفتوحاً عن الطعام ابتداءً من الأسبوع المقبل.. إنهم يعاملونني معاملة الكلاب.. لذلك سأموت هنا في قطر." وأضاف اللاعب أن زوجته أيضاً تعاني، كما أنه أنه لم يستطع تدريس ابنته وهو ممنوع من مغادرة قطر، رغم أنه احترف في نادي الجيش منذ سنة2007، وجدّد في 2010 لخمس سنوات. كما كشف أنه لعب ضمن المنتخب القطري العسكري في نهائيات بطولة العالم العسكرية في البرازيل، وأضاف: "عندما عدنا استرجعوا الجواز، ثمّ بعد أن كنت قائداً للجيش في القسم الثاني القطري، تخلّى عني الفريق بعد قدوم لاعبين محترفين آخرين." وأعار الفريق اللاعب إلى نادي''المرخية''، وحاول بعدها التحايل عليه لتسريحه مجاناً، دون دفع أجرته طيلة 21 شهراً، وهوما رفضه اللاعب الجزائري. وقال: "إنني أحاول أن أبدو بمظهر الأب الحقيقي أمام ابنتي، وعائلتي.. أعيش على ما يساعدني به الفرنسيون والجزائريون في قطر، التي لا تمنحني راتبي، وتغدق على باريس سان جيرمان." وعندما أجرت CNN اتصالات بالمسؤولين عن دوري نجوم قطر، تلقت الجواب التالي: "جميع الأطراف بصدد التحليل العميق للمسألة، واتخاذ ما يلزم للتحرك إزاء التشهير الذي يجري."
نظام الكفالة: العائلة الحاكمة في قطر من ضمن الأثرى في العالم، وصندوقها السيادي من ضمن الأضخم في العالم أيضاً. إلى ذلك تملك الكثير من الأندية الشهيرة في العالم، من أبرزها باريس سان جيرمان وملقا. كما أنها تقدم عقود رعاية خيالية لأبرز الأندية، ومن ضمنها برشلونة الإسباني، وذلك عبر مؤسسة قطر التي ترأسها عقيلة أمير البلاد. والمبالغ التي تمنحها لنجوم مثل زلاتان إبراهيموفيتش وديفيد بيكهام، تعد مثالاً جيداً لقوتها المالية. في تلك الأثناء، ووفق بلونيس وهيومن رايتس واتش، يبقى عشرات الآلاف من بني البشر في وضع استغلال يومي، وهم يهيئون البلاد لاحتضان كأس العالم عام 2022. والكثير منهم لا يتمتعون بأبسط حقوقهم، وليس بمقدورهم المغادرة بسبب نظام الكفالة. وقال نيكولاس ماكجيهان، من منظمة هيومن رايتس واتش لـCNN إن قطر "نجحت إلى حد كبير في تقديم صورة ناصعة لها، فيما نظامها في الواقع استغلالي." ودعا ذلك المنظمات الدولية إلى إطلاق صيحة فزع. وقالت مسؤولة في اتحاد نقابات العمال لـCNN: "ذهبت إلى قطر كأنما لم أذهب.. إنها دولة عبودية بالمعنى الحرفي للكلمة.. مثل دول أخرى هناك، يرفضون حق التنظيم والاجتماع.. تنقلت بين معسكرات العمال في قطر أسبوعياً.. والوضع هناك مأساوي.. لا فضاء ملائماً للبشر والمنشآت غير آمنة." وأضافت "هناك بشر في قطر هم في الحقيقة عبيد.. النظام القضائي لا يعمل.. وعقودهم وكأنها ليست عقوداً.. إنهم غاضبون ويشعرون وكأن حياتهم أخذت بعيداً عنهم.. والآن ليس لنا من حل سوى أن نرفع الأمر للفيفا." ورداً على ذلك قالت اللجنة العليا لتنظيم نهائيات كأس العالم 2022 لـCNN: "سلامة وأمن وصحة وكرامة العمال - سواء محترفون أو عمال بناء - هي من الأهمية القصوى." وأضافت: "نحن ملتزمون بتغيير ظروف العمل.. ونحن نعلم أن ذلك لن يتم بين ليلة وضحاها.. لكن كأس العالم 2022 هي بمثابة المحفز لضمان التقدم في هذا المجال." وأعلنت مؤسسة قطر برنامجاً لتطبيق ذلك، رفضته اتحادات العمال الدولية.
حالة وادو: إذا كنت تعمل في قطر فأنت على ملك شخص ما
هناك لاعب آخر نجح هذه المرة في مغادرة البلاد، ويتعلق الأمر بالدولي المغربي السابق عبد السلام وادو، الذي أكّد أن المعاملة التي تلقاها في قطر كانت "أقرب للعبودية، عندما قررت إدارة فريقه الانفصال." وروى وادو لـCNN رحلته مع النادي، التي تنقلت من المجد إلى الإهانة، على حد تعبيره، وقال: "أنا من رفعت مع لخويا رمز البطولة، وبعد سنتين ورغم أن عقدك مازال ساري المفعول، تصور كيف ينتهي بك الأمر.. تعود لتلعب مع النادي، فيقال لك لقد انتهى أمرك وأمر العقد.. قلت لمن أبلغني بذلك.: لنتحدث، فردّ قائلاً لا.. هي رغبة أحد الأمراء ورغبة الأمير تنفذ من دون نقاش." وأضاف: "لقد عزلوني مثل الكلب، عندما رفضت تغيير النادي أو الرحيل، حتى أثناء حصص التدريب، أجبروني على ارتداء فانيلة بلون مغاير.. ومنعوني من الذهاب مع الفريق في معسكر تدريب في الصيف، ثم أوقفوا راتبي فاضطررت لمدة خمسة أشهر للإنفاق بصعوبة على عائلتي، ثم قررت وقف العمل بالعقد." وتابع: "عندما طلبت تأشيرة الخروج، رفضوا ذلك، وطالبوني بأن أسحب القضية التي رفعتها ضدهم.. الأمر المؤلم أن لقطر مصالح كثيرة في الفيفا، وهذا أمر غير جيد بالمرة.، ولم ينجح وادو في الخروج إلا بعد أن هدد برفع الأمر إلى منظمة حقوقية. وأضاف: "ساعتها وافقوا قائلين لي: سنمنحك تأشيرة الخروج، ولكن لتعلم أن القضية التي رفعتها ضدنا في الاتحاد الدولي لكرة القدم لن تأخذ أقل من أربع إلى ست سنوات حتى تسترجع أموالك، لأن تأثيرنا كبير هناك، ونحن أقوياء جداً في الفيفا." وقال: "القطريون يعتقدون بأنه بالمال يمكن أن يتحكموا في أي شخص، لقد تركت زملاء لي تحت رحمة مسؤولين.. عندما تعمل في قطر فأنت على ملك شخص ما.. وعندما يقررون التخلص منك.. سيفعلون مثلما نتخلص نحن من جواربنا القديمة." ورفض مسؤولو الاتحاد القطري لكرة القدم التعليق على تصريحات وادو، وعاد وادو إلى فرنسا وهو يتدرب مع نادي نانسي بانتظار نتيجة القضية التي رفعها إلى الفيفا. وقال الاتحاد الدولي لكرة القدم في بيان لـCNN: "نؤكد لكم أنّ الاتحاد فتح إجراءات بشأن القضية التي أشرتم إليها، لكن عليكم أن تتفهموا أنه ليس باستطاعتنا التعليق على تحقيق مازال قائماً."
"دولة لا تحترم الإنسان لا تستحق تنظيم أفضل مسابقة في الكون"
في الأثناء، قال بلونيس: "أنا هنا في قطر وحياتي تحولت إلى كارثة.. من يستطيع مساعدتي"، وأضاف "عندما شاهدت الفيفا تمنح كأس العالم لقطر قلت لنفسي: ربما هو أمر جيد.. فكرة القدم تنتمي لكل العالم وليست لها حدود.. الآن بعد عامين من العيش في هذا البلد، تفكيري تغيّر.. أنا إنسان أحترم حقوق الإنسان وهذه البلاد أيضا.. لكنهم أستطيع أن أؤكد لك أنهم يمشون على البشر.. دولة لا تحترم حقوق الإنسان لا تستحق تنظيم أفضل مسابقة في العالم." وقد حاولت CNN مراراً الاتصال بالمسؤولين في وزارة العمل القطرية، للحصول على تعليق بشأن ما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل.