مصر تتحدى أميركا وتعلن أدلة الاتهام في "التمويلات"



تصاعدت حدة التوتر في العلاقات المصرية الأميركية بسبب تحويل القضاء المصري لـ 43 متهما من المصريين والأجانب إلى محكمة الجنايات من بينهم 19 أميركيا من بينهم إبن وزير النقل الأميركي بتهم مختلفة منها العمل في مصر بدون ترخيص، وتلقي معونات أجنبية غير قانونية، وهي القضية التي عرفت بقضية التمويلات الخارجية، وهذا التوتر لم يحدث منذ عقود، حيث كان النظام السابق حليفا وثيقا للولايات المتحدة. بل هو رجل أميركا الأول في المنطقة بعد إسرائيل.


وعلل البعض ذلك بعدم إدراك أميركا التغير الذي حدث في مصر بعد الثورة، فبعد أن كان الحكم السابق بيد فرد، أصبح الحكم الآن بيد الشعب ومؤسساته، وفي الوقت الذي تحظر فيه أميركا نفسها التمويلات السياسية ، تعترض بتناقض غريب على محاكمة مصر بعض العاملين في منظمات مدنية بسبب تلقي تمويلات خارجية.


وأكد قاضيا التحقيق في قضية "التمويل الأجنبي"، المستشارين سامح أبو زيد، وأشرف عشماوي، أن كافة الإجراءات التي اتخذت خلال التحقيق، تمت وفقاً للقانون المصري، وأوضحا أن قانون الإجراءات الجنائية هو الذي يحدد ضوابط عمل قاضى التحقيق.


وقال قاضيا التحقيق: "أصدرنا بعض القرارات بعد التفتيش للمنظمات الدولية العاملة في مصر بشكل غير مشروع، تقضي بوضع عدد من المتهمين الأجانب، المشمولين بالتحقيقات، على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول."


وأرجع أبو زيد، خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بمقر وزارة العدل الأربعاء، أسباب صدور هذه القرار إلى أنه عند استدعاء أحد المتهمين من الأجانب العاملين في هذه المنظمات محل التحقيق، تبين مغادرته البلاد، وقدم محاموه تذاكر سفر، ولم يتسنى التأكد من السفر من عدمه.


وتابع أنه "في هذه التوقيت تواترت الكثير من التصريحات حول بعض الضغوط، وتدخل السياسة في القضية التي نحقق فيها في الخارج والداخل"، مؤكداً أن "قضاة التحقيق لا يعملون بالسياسة ولا نقترب منها"، وأنه "في حال اقتربت منا السياسية، نعرف كيف نتعامل معها بالقانون."


كما كشف عن تلقي قضاة التحقيق في القضية خطاب من سفيرة الولايات المتحدة بالقاهرة، آن باترسون، في 23 يناير  الماضي، ومرفق به ترجمة باللغة العربية، تطلب فيه رفع أسماء 21 أمريكياً يعملون بالمنظمات محل التحقيق، من قوائم الممنوعين من السفر.


وأشار إلى أن المنظمات المشمولة بأمر الإحالة إلى القضاء، هي خمس منظمات، "المعهد الجمهوري الدولي"، و"المعهد الديمقراطي الوطني"، ومنظمة "بيت الحرية"، و"المركز الدولي الأمريكي للصحفيين"، و"مؤسسة كونراد آيدن أور" الألمانية.


وذكر أن الأدلة، التي بلغت نحو 67 دليلاً، تنوعت بين شهادة شهود، وتقارير خبراء، ولجان مختصة، إضافة إلى إقرارات واعترافات بعض المتهمين، لافتاً إلى أنها موجودة بأكملها في قائمة أدلة الثبوت، المرفقة مع أمر الإحالة.


وأحالت السلطات القضائية 43 من العاملين في منظمات المجتمع المدني، بينهم 19 أمريكياً، إضافة إلى أجانب من جنسيات أخرى، إلى محاكمة جنائية، وأبرز الذين شملهم القرار سام لحود، مدير مكتب "المعهد الجمهوري الدولي" في القاهرة، ونجل وزير النقل الأمريكي، راي لحود.


وأثارت الخطوة حفيظة مؤسسات حقوقية دولية، إذ دعت "هيومن رايتس ووتش" القاهرة لإسقاط جميع الاتهامات المنسوبة إلى المنظمات غير الحكومية غير المسجلة، بينما توقع محللون أن تعمد واشنطن للضغط على القاهرة من خلال ملف المساعدات، التي تتجاوز سنوياً 1.5 مليار دولار، تخصص معظمها للجيش.


من جانب آخر أكد رئيس الحكومة الانتقالية في مصر، الدكتور كمال الجنزوري، عن رفضه "الضغوط" التي تمارسها الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية "التمويل الأجنبي للجمعيات"، والمتهم فيها 19 أمريكياً، والتي فجرت أزمة حادة بين القاهرة وواشنطن، بعدما لوحت الأخيرة بإعادة النظر في المساعدات الأمريكية لمصر.


وفي إشارة أخرى على تفاقم الأزمة بين الجانبين، كشفت مصادر مطلعة لـCNN ، أن أكبر مسؤول عسكري أمريكي سيتوجه إلى القاهرة هذا الأسبوع، في أعقاب عودة وفد عسكري مصري بشكل مفاجئ من واشنطن   لأسباب غير معروفة، الثلاثاء، دون حضور اجتماع كان مقرراً مع عدد من قيادات الكونغرس. وتردد أن السبب في إلغاء الوفد المصري الاجتماع تهديدات أطلقها بعض الشخصيات الأميركية بإيقاف المعونة المصرية لمصر.


وفيما كان قاضيا التحقيق بقضية التمويل الخارجي للمنظمات الحقوقية يعقدان مؤتمراً صحفياً لكشف بعض ملابسات وتفاصيل القضية "المثيرة للجدل"، تطرق الجنزوري، بمؤتمر صحفي آخر، إلى نفس القضية، مؤكداً أن "مصر لن تغير موقفها، بسبب المساعدات الأمريكية، في قضية التمويل الأجنبي لبعض المنظمات المدنية."


وقال رئيس الحكومة المؤقتة، في أعقاب اجتماع لمجلس الوزراء، إن "مصر ستبقى، ولن تركع لأحد، وستعبر الأزمة التي تمر بها"، مشدداً على أن "مصر هي العمود الفقري للمنطقة، وعلى الجميع أن يعي أن وقوع مصر، يعني وقوع المنطقة بأسرها"، إلا أنه استطرد قائلاً إن "الشعب المصري العظيم، قادر على أن يتخطى المحن."


وطالب الجنزوري كافة فئات الشعب، وكافة التيارات السياسية والحزبية، بأن "تتحد، كما اتحدت كافة أطياف الشعب المصري عقب نكسة عام 1967، من أجل أن تبقى مصر"، وأضاف أن "ما نواجهه اليوم، أكثر من نكسة 1967"، وأنه "إذا اتحدنا جميعاً بكافة فئاتنا، سنمر من الأزمة."


وعن احتمالات تبكير تسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، في 11 فبراير  من العام الماضي، السلطة إلى إدارة مدنية، قال الجنزوري إن النظام الحالي سيستمر حتى 30 يونيو القادم.


وأوضح في هذا الصدد: "الخريطة السياسية لمصر واضحة، فهناك انتخابات لمجلس الشورى، ثم فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في 10 مارس المقبل، وفى نفس الوقت سيكون هناك اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ثم الاستفتاء عليه"، مشيراً إلى أن "ذلك كله سيتم في وجود النظام الحالي."


ونقل موقع "أخبار مصر"، التابع للتلفزيون الرسمي عن الجنزوري تأكيده أن "السلطة العسكرية في مصر مستمرة حتى نهاية يونيو ، وأنها مصرة على ذلك، وأكدت أنها لن تترك السلطة قبل ذلك التاريخ"، وقال: "على من ينادون بسقوط السلطة العسكرية، أن يتذكروا ما حدث في العراق."