مخرجون شباب يعيدون الوهج للسينما المصرية


ترجع بدايات صناعة السينما في مصر إلى ثلاثينيات القرن الماضي وشهدت عصرا ذهبيا في الأربعينيات والخمسينيات وظلت تتمتع بإقبال كبير في الداخل وفي دول المنطقة طوال تاريخها.


ويقول كثيرون إن قدرة معظم العرب على فهم اللهجة العامية المصرية ترجع إلى انتشار الأفلام ومسلسلات التلفزيون المصرية في أنحاء العالم العربي.


وظلت الرقابة ملمحا رئيسيا صاحب السينما المصرية منذ بداية حكم جمال عبد الناصر الذي تولى السلطة في مصر رسميا عام 1956 ولذلك ابتعدت غالبية الأفلام المصرية عن قضايا السياسة.


لكن السنوات القليلة الماضية شهدت إنتاج عدد من الأفلام المصرية التي تتناول الواقع الاجتماعي لاقى بعضها استقبالا طيبا في المهرجانات الدولية.


أخرج الفنان الشاب عمرو سلامة فيلمان روائيان هما "زي النهاردة"عام 2008 و(أسماء) الذي يعرض حاليا في دور السينما. كما أخرج سلامة سلسلة من الأفلام الوثائقية والقصيرة والأغنيات المصورة. وفاز سلامة بجائزة أفضل مخرج عربي عن فيلم (أسماء) في قسم أفق جديد بمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي عام 2011.


ويتناول (أسماء) الذي يحكي قصة حقيقية في إطار درامي فضية شديدة الحساسية في المجتمعات العربية هي مرض الإيدز والمعاملة التي يلقاها المريض في وسط متدين محافظ.


وذكر سلامة أن استخراج تصريح بتصوير فيلم يحتاج إلى جهد وصبر حيث ينبغي الحصول على موافقة من وزارة الثقافة ومن سلطات الأمن وأحيانا من السلطة الدينية إذا كان موضوع الفيلم يمس قضية دينية.


ثم تأتي مشكلة التمويل حيث يقول سلامة إن السينما المصرية لا تعتمد على إيرادات شباك التذاكر بل على المبالغ المالية التي تدفعها قنوات التلفزيون لشراء حق بث الفيلم مستقبلا. ومعظم تلك القنوات التلفزيونية تملكها شركات مقرها دول خليجية محافظة دينيا واجتماعيا وتأثرت بالأزمة المالية العالمية. وذكر سلامة أن ذلك أدى إلى تراجع الإنتاج السينمائي في مصر منذ عام 2009.


ورغم نجاح فيلمي عمرو سلامة الروائيين اتخد المخرج الشاب حطوة جديدة في عام 2011 يعتبرها كثيرون في صناعة السينما تراجعا إلى الخلف حيث شارك في إخراج فيلم وثائقي بعنوان "تحرير 2011". لكن سلامة أوضح أن الفيلم التسجيلي أداة مختلفة يستخدمها المخرج ليتناول نوعا مختلفا من الموضوعات.


وقال "صناعة الأفلام التسجيلية ما هياش خطوة للوراء لما الواحد يعمل أفلام طويلة. كل نوع من أنواع الأفلام له مذاقه وله هدفه وله نوعه. ممكن تيجي لي فكرة أحب أعملها كفيلم طويل أو تيجي لي فكرة أحب أعملها كفيلم تسجيلي أو فيلم قصير أو كأغنية مصورة أو حاجة. فكل حاجة على حسب الفكرة اللي بتيجي الواحد عايز يعملها بشكل إيه. بعد الثورة ما حصلت كل المنتجين كانوا بيكلمونا.. إحنا عايزين لازم نعمل أفلام دلوقتي (الآن) حالا عن الثورة. يالا نصور.. يالا نعمل.. أنا حسيت أن صعب شوية أن أنا أطلع بنتيجة أعملها في فيلم فيه تمثيل وفيه نتيجة. فيه حاجة إحنا وصلنا لها لكن فيه حاجات كثيرة قوي لسه ما وصلنالهاش (لم نصل إليها بعد لم نفهمها. بس الفيلم التسجيلي هدفه الأكثر أنه يوثق الذي بيحصل وقت ما بيحصل. المشاعر.. الأحداث.. الأسباب اللي أدت للأحداث."


ولا يحتاج الفيلم الوثائقي للحصول على موافقة للتصوير بل يتعين الحصول على تصريح إذا كان الفيلم سيعرض عرضا عاما. ومع تزايد جودة معدات التصوير والصوت وأسعارها التي أصبحت في المتناول بات المجال أكثر اتساعا لهذا النوع من الأفلام مقارنة بالأفلام الروائية.


(تحرير 2011) هو أول فيلم وثائقي يعرض تجاريا في دور السينما بمصر في تطور يعتبره سلامة علامة على قبول الجمهور لهذا النوع من الأفلام. وبدأ عرض الفيلم في نوفمبر، وذكر سلامة أن إيراداته فاقت إيرادات بعض الأفلام الأمريكية التي تعرض في نفس الوقت في مصر.


فيلم آخر لمخرج مستقل آخر هو أحمد عبد الله لاقى استقبالا طيبا في مصر وخارجها هو فيلم )ميكروفون) الذي بدأ عرضه عام 2010 وحصل على خمسة جوائز من مهرجانات.


بدأ أحمد عبد الله مشواره مع الإخراج السينمائي بفيلم (هليوبوليس) الذي أنتج بميزانية صغيرة. وكثيرا ما يستخدم عبد الله في عمله الإضاءة والصوت الطبيعيين ويستعين بممثلين غير محترفين الأمر الذي لا يحتاج إلى تمويل كبير للفيلم.


لكن المخرج أوضح أن العقبة الرئيسية في صناعة السينما في مصر هي التوزيع وذكر أن الموزعين المصريين يعتبرون الفيلم منخفض التكاليف بالضرورة منخفض الجودة. وأكد عبد الله أن الفيلم المصري المستقل قد يعرض في أرقى وأهم مهرجانات السينما العالمية لكنه ربما لا يحظى بفرصة للغرض في مصر.


وقال "أعتقد أن المشكلة الكبرى هي مشكلة التوزيع. لأن عدد كبير من الموزعين يأبوا على أنفسهم أنهم يضعوا أفلام بميزانية ضئيلة.. حتى الميزانية الصفرية.. زي فيلم حاوي.. فيلم ابراهيم البطوطي الأخير.. فيلم ما كلفش (لم يتكلف) أي مبالغ مالية ومع ذلك واحد من الموزعين الكبار طلع في التلفزيون وقال إنه مش ح يوزع الفيلم لأنه فيلم مش متكلف أي فلوس.. ميزانية صفر. فأعتقد أن المشكلة هي في عقلية الموزعين والمنتجين الكبار اللي هم بيقفوا حاجز تجاه توزيع الأفلام المصرية."


ويؤدي دور البطولة في (ميكروفون) الممثل الناجح خالد أبو النجا الذي اتجه في الآونة الأخيرة إلى تجربة الإنتاج. ويرى أبو النجا أن الموجة الجديدة من صناع السينما المستقلين في السنوات الأخيرة بمثابة نهضة للسينما المصرية. وقال إن فيلمي (ميكروفون) و(هليوبوليس) تنبآ بالتغيرات السياسية التي شهدتها مصر في عام 2011.


وقال الفنان "أنا شايف أننا داخلين في عصر جديد.. ملامح العصر ده ممكن نحاول نفهمها دلوقتي لأن لسه داخلين فيه. لكن هو ملامحه ممكن قوي ببساطة أن ما بقاش فيه حد ضعيف كفاية أن حد يأخذ منه كل حقوقه.. أو أي حق من حقوقه. وما بقاش فيه حد عنده القوة الكفاية أنه يفرض على الناس أن حقوقها تتاخذ (تؤخذ) منها. ويمكن دي أول ملامح العصر ده. كمان ممكن نحس أن العصر ده أو ملامحه أن سلطة الناس أصبحت لأول مرة قد (مساوية) أو أكبر من الناس اللي في السلطة. بقى ممكن أي حد.. أي مجموعة من الناس اللي هي تتحد أنها تقف قدام الناس اللي في السلطة."


ومع إجراء أول انتخابات ديمقراطية فيما تعيه الذاكرة في مصر تدور حاليا مناقشات واسعة النطاق عن شكل الحكومة المقبلة. وبعد حصول أحزاب إسلامية على أغلبية الأصوات حتى الآن في الانتخابات يخشى كثير من الليبراليين أن تسعى حكومة يشكلها إسلاميون إلى تقليص مساحة حرية التعبير في السينما.


لكن أحمد عبد الله يرى أن ذلك لو حدث فلن يكون أمرا جديدا على صناعة السينما في مصر.


وقال المخرج "ما أعتقدش أنه مسألة التخوف من حكم محافظ أو حكم إسلامي بالنسبة لي تعني لي الكثير كفنان لأنه هي نفس الأزمة دي إحنا عشناها في وقت حكم مبارك. كنا نحارب حكم مبارك اللي هو أيضا كان حكم يمنعنا من التعبير عن آرائنا. في ظل الحكم العسكري.. متشدد وبيمنعنا من التعبير عن آرائنا. باتصور لو جاء حكم محافظ أو حكم إسلامي.. نتمنى لأ.. بس )لكن) حتى لو حصل ح نستمر في نفس المعركة."


وأجاب عبد الله على سؤال عما إذا كان يمكن أن يغادر مصر قائلا إنه لن يترك بلده أبدا لأنه لا يريد أن يصنع أفلاما إلا عن حياته وعن المحيطين به ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في إطار مصري.


ومن المؤكد أن وصف المرحلة التي تمر بها السينما المصرية حاليا بأنها نهضة أمر يخضع للنقاش والتقدير.