سببت الانتفاضة الشعبية التي تشهدها سورية انقساما في الوسط الفني السوري الغني، حيث قررت حفنة من الموسيقيين والممثلين والمخرجين دعم المنتفضين الداعين للاطاحة بنظام الرئيس بشار الاسد.
لقد كان ممثلو سورية وموسيقيوها لسنوات عديدة من اهم صادرات هذا البلد، حيث يتمتعون بشعبية واسعة على نطاق العالم العربي واسهموا في تحويل سورية الى مركز اقليمي مهم للانتاج التلفزيوني والموسيقي.
فالمسلسلات التلفزيونية السورية تحظى بشعبية كبيرة على وجه الخصوص في كافة ارجاء المنطقة العربية.
ومنذ اندلاع الحركة المناوئة للحكومة في مارس الماضي، لم تبد الا قلة من الفنانين السوريين الكبار معارضتها للقمع الذي يمارسه النظام بحق المحتجين وذلك بالمشاركة في المظاهرات او بالتحدث الى وسائل الاعلام.
وعرض هؤلاء الذين تجرأوا على انتقاد النظام انفسهم لخطر الاعتقال وحتى الانتقام، ففي اغسطس المنصرم، كسرت اصابع الرسام الكاريكاتيري علي فرزات من قبل رجال يقال إنهم من عناصر الامن وذلك بعد نشره رسوما تسخر من الرئيس الاسد.
وفي الشهر الذي تلاه، قال الموسيقار مالك جندلي إن والديه المقيمين في سورية قد تعرضا لضرب مبرح من جانب مؤيدين للنظام بعد قيامه باهداء احد مؤلفاته للمحتجين اثناء حفل احياه في الولايات المتحدة.
اما الممثلة فدوى سليمان (التي تنتمي الى الطائفة العلوية التي ينحدر منها الرئيس السوري) فقد صورت وهي تشارك في احتجاجات جرت في مدينة حمص مما اجبرها على الهرب الى مكان مجهول خوفا من الاعتقال.
وبطبيعة الامر، فقد كان اسهل بالنسبة للفنانين السوريين المقيمين في الخارج والبعيدين عن قبضة اجهزة النظام الامنية والاستخبارية ان يعبروا عن انتقاداتهم للحكومة.
فالمغنية اصالة نصري، التي تنحدر من اسرة موسيقية معروفة، قالت في مايو / ايار الماضي: "حتى لو اضطهد النظام شخصا واحدا من الف، علينا نحن الفنانين ان نصطف مع الشعب."
بينما اجتذبت المواقف المعارضة التي اتخذتها قلة من الفنانين السوريين اهتمام وسائل الاعلام، فقد التزمت غالبيتهم العظمى الصمت ازاء ما يجري في البلاد بينما عبر العديد منهم عن تأييده لنظام الاسد.
فعلى سبيل المثال، عبرت سلاف فواخرجي، الممثلة التي شاركت في العديد من الاعمال التلفزيونية الدرامية المعروفة، علنا عن دعمها للرئيس الاسد.
وقالت فواخرجي في لقاء تلفزيوني إنها تريد ان يبقى الاسد في الحكم "لأن الحكومة، والرئيس الاسد شخصيا، دعموا الفنانين السوريين دعما قويا."
واضافت الممثلة التلفزيونية ان هذا ليس السبب الوحيد لتأييدها النظام الحاكم، مشيرة الى "الاصلاحات المهمة" التي اجراها في السنوات العشر الاخيرة.
وكان تعبير الفنان دريد لحام عن دعمه للنظام من اكثر المواقف اثارة للصدمة. فلحام بنى شهرته في العالم العربي على الادوار التي كان ينتقد فيها الانظمة التسلطية، ولكنه لم يجد غضاضة مع ذلك من الاصطفاف مع النظام.
اما الممثلة رغدة، فهي من اقوى من يؤيدون الرئيس الاسد في الوسط الفني السوري.
وقالت رغدة في لقاء مع التلفزيون المصري إنها دعمت الثورة المصرية التي اجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن الحكم في فبراير / شباط الماضي، ولكنها لا تؤيد الانتفاضة القائمة في بلدها الاصلي سورية "لأن الظروف في سورية تختلف."
وقالت في مقابلة اجرتها معها مؤخرا احدى الصحف الكويتية إنها مستعدة للتحالف "مع الشيطان او اي ديكتاتور عربي يتصدى لحلف الاطلسي واسرائيل والولايات المتحدة."
وقد ادى الدعم الذي ابداه العديد من الفنانين لنظام الرئيس الاسد الى ردود فعل غاضبة انعكست من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت.
فقد انشأ معارضو الرئيس الاسد صفحة في موقع (فيسبوك) تحمل عنوان "قائمة العار السورية" ينتقدون من خلالها الشخصيات العامة التي عبرت عن دعمها للنظام.
وقد انضم الى هذه الصفحة اكثر من 30 الف مشترك منذ انشائها، والعدد مستمر في الارتفاع.
كما انشأت صفحة مماثلة لفضح الشخصيات اللبنانية التي عبرت عن تأييدها للرئيس الاسد ونظامه.
ورغم انحياز المزيد من الفنانين الى جانب المحتجين، ما زال عددهم اصغر بكثير من اولئك الذين آثروا التزام الصمت.
ولكن اذا ضعف النظام وزادت قوة المعارضة، فإنه من الممكن جدا ان يتخلى العديد من هؤلاء عن صمتهم ويتخذوا موقفا. اما في الوقت الراهن، فيبدو ان معظم الفنانين السوريين قد ارتضوا لانفسهم ان ينتظروا ليروا كيف ستسير الامور.