اعتاد المصريون لسنوات كثر الوقوف في طوابير لا حصر لها إما للحصول على رغيف الخبز أو اسطوانات الغاز أو حتى لاستخراج رخصة قيادة في إدارات المرور لكن طوابير اليوم ليست كالبارحة.
وتحمل المصريون رجالا ونساء شيوخا وشبابا برودة الشتاء والانتظار لساعات طويلة أمام لجان الاقتراع واصطفوا في طوابير بلغ طولها في أحيان مئات الأمتار للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية التي انطلقت أمس الأربعاء أملا في مستقبل أفضل.
وفي الأحياء الشعبية التي تعاني الفقر وتدني مستوى الخدمات تدفق الناخبون على مراكز الاقتراع لممارسة حرية التصويت بعد حرمان دام 30 عاما قضاها الرئيس السابق حسني مبارك في سدة الحكم قبل أن تطيح به انتفاضة شعبية في فبراير.
وشاب الانتخابات في عهد مبارك تزوير واسع النطاق شمل حشو الصناديق وشراء الأصوات والترويع لضمان فوز الحزب الوطني الديمقراطي المنحل بأغلبية كاسحة من المقاعد.
وفي حي إمبابة بغرب القاهرة الذي شهد اشتباكات طائفية في مايو قالت ناخبة طلبت تلقيبها بأم مرقص ( 93 عاما) بعدما أدلت بصوتها "هذه أول مرة اصوت في انتخابات. أدليت صوتي للكتلة المصرية. أنا جيت افرح مع الشعب وانا باحب الناس... يا رب بارك في شعب مصر ونجح المسلمين والمسيحين.، والكتلة المصرية هي تحالف بين ثلاثة أحزاب ليبرالية.
وتنشب من حين لآخر توترات طائفية بين مسلمين ومسيحيين اما بسبب التحول من دين لآخر أو بسبب نزاعات عائلية أو بناء كنائس لكن أظهر مسلمون ومسيحيون تلاحما كبيرا خلال انتفاضة 25 يناير التي أطاحت بمبارك.
وقالت ناخبة أخرى تدعى مها احمد (26 عاما) وتعمل مديرة مبيعات أمام نفس لجنة الانتخاب "ادليت بصوتي لأننا لازم نكون ايجابيين ونختار مستقبلنا ... لا يهمني موضوع الغرامة أنا صوتي للثورة مستمرة. قبل كده كانت البلد فاسدة دلوقت أصبح لنا صوت."
والثورة مستمرة هي تحالف لاحزاب ومنظمات سياسية وتنظيمات نقابية منها ائتلاف شباب الثورة تأسس كبجهة سياسية مدنية لخوض الانتخابات البرلمانية ككتلة واحدة.
وتجري المرحلة الثانية من الانتخابات في تسع محافظات هي الجيزة وبني سويف والمنوفية والشرقية والاسماعيلية والسويس والبحيرة وسوهاج وأسوان وتنتهي اليوم الخميس. وتجرى جولة الإعادة في 21 و22 ديسمبر كانون الاول الجاري. ويتنافس في هذه المرحلة 3387 مرشحا على 180 مقعدا. ويحمل البرلمان المقبل على عاتقه اختيار الجمعية التأسيسية المؤلفة من 100 عضو لصياغة دستور جديد للبلاد.
وقال محمد المراكبي (50 عاما) وهو طبيب اسنان مقيم في استراليا بعدما ادلى بصوته في لجنة انتخابية بحي الدقي بالجيزة "انا اعيش في استراليا منذ 26 عاما وهذه اول مرة ادلي بصوتي في الانتخابات. حاسس ان البلد بقى ليها صاحب... انا جيت من اخر الدنيا عشان اصوت لاني حاسس انه فيه امل في مستقبل البلد."
بينما قال ناخب اخر يدعى يوسف محمد (21 عاما) وهو طالب في كلية الهندسة "الآن صوتي مؤثر بعدما كان في السابق عديم القيمة... سأصوت أملا في غد أفضل."
وعزا الدكتور عمار علي حسن الباحث في علم الاجتماع السياسي إقبال المصريين على الانتخابات إلى أن هذه الجولة يتنافس فيها عدد كبير جدا من المرشحين وأن كل مرشح يقوم بالدعاية والحشد وتعبئة انصاره.
وقال حسن لرويترز "هناك قطاعات لديها إحساس بالمسؤولية أنهم أمام إجراء يصب في صالح الوطن وفي صالح بناء مستقبلهم وهناك قطاع آخر تنبه إلى أن العملية الانتخابية تتمتع بقدر من النزاهة والعدالة قياسا إلى الانتخابات السابقة ومن ثم لابد من المشاركة."
وأضاف "كثيرون عزفوا عن التصويت في المرحلة الأولى لأنهم ظنوا أن هناك عنفا مفرطا قد يشوبها لكن حين مرت المرحلة بسلام شجع ذلك قطاعات كبيرة من المواطنين على النزول."
وأوضح حسن أن "البعد الديني أيضا حاضر من خلال الدعاية الدينية من الحرية والعدالة والنور والجماعة الإسلامية لا سيما أن هذه الانتخابات تجري في محافظات يتمتعون فيها بميزة نسبية فالجيزة حاضر فيها التيار السلفي بشدة وبني سويف بها أيضا الجماعة الإسلامية وللأخوان المسلمين حضور في الشرقية والإسماعيلية."
وحزب الحرية والعدالة هو الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين أما حزب النور فهو حزب سلفي.
لكن الدكتور عمرو ربيع هاشم أستاذ العلوم السياسية قال إن "هناك تجاوزات كثيرة ونسبة جهل كبيرة واستغلال لمسألة الغرامة."
واستطرد هاشم قائلا "لكن المصريين يبدون اهتماما كبيرا بالمشاركة في العملية الانتخابية ورغم أن هناك حشدا على أساس ديني وأيديولوجي فقد قرر المصريون أن يحددوا مستقبلهم بأنفسهم وهذا شيء ايجابي في نهاية المطاف."
وبلغت نسبة الإقبال على التصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية 52% وهي نسبة كبيرة نسبيا مقارنة بانتخابات عام 2010 التي كانت نسبة الإقبال فيها 25% رسميا في ظل تشكيك جماعات لحقوق الإنسان في هذه النسبة آنذاك.
وفي انتخابات عام 2005 كانت النسبة الرسمية للإقبال على الانتخابات 22% لكن جماعات لحقوق الإنسان قالت إن النسبة بلغت 12 % في ذلك الحين.
وقال حسن الباحث في علم الاجتماع السياسي إن زيادة الإقبال على التصويت جاء أيضا نتيجة "فزع بعض القطاعات من نتائج المرحلة الأولى، وإحساسها بالخطر والمسؤولية وضرورة التصويت في المرحلة الثانية لإحداث توازن ما بين التيارات السياسية التي ستشكل البرلمان المقبل سواء كانت إسلامية معتدلة أو إسلامية متشددة أو مدنية."