ذكر تقرير حقوقي أن المعتقلات والسجون الإسرائيلية بعيدة كل البعد عن المستوى المقبول في الدول المتقدمة. هناك انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان فيها، ظروف سجن قاسية، مبان لا تستوفي المعايير التي حددتها المحكمة الإسرائيلية بنفسها، اكتظاظ كبير واختناق في الزنازين.
هناك انخفاض مستمر في الحيز المتاح لكل سجين، وهو أصلا اقل بكثير من المطلوب؛ ظروف صحية سيئة تشكل أحيانا خطرا حقيقيا، تهوية غير ملائمة، تقصير في توفير العلاج الطبي للسجناء والمعتقلين ؛ مشاكل في تطبيق الحق بلقاء ابناء العائلة وفي الحق في لقاء محام؛ نقل المعتقلين الى جلسات المحاكم لا يستوفي الشروط المطلوبة.
قصور واضح في منالية وصول السجناء إلى جلسات مداولات التماسات قدموها أمام المحكمة المركزية والى جلسات الإفراج المبكر التي تجري أمام لجان إطلاق السراح. الأسرى السياسيون (من تسميهم إسرائيل وكذلك التقرير "أمنيين"). إضافة للانتهاكات المذكورة اعلاه، ممنوعون من العلاج الاجتماعي، ومن أي فعالية ترفيهية. هذا بعض مما جاء في التقرير الأخير(أغسطس 2011) الذي قدمته وزارة العدل، ومكتب الدفاع العام عن الوضع في السجون للعامين 2009 و 2010 وحتى بداية 2011.
يشار إلى أنه بعد انهاء العمل على التقرير، وبقرار حكومي وفي اعقاب تصريحات نتانياهو في حزيران عن قراره "باتخاذ جملة من الإجراءات لتغيير الظروف السائدة في السجون" ضد الاسرى السياسيين، تم مؤخرا وقف التعليم، ومنع إيصال الكتب لهم من خلال زيارات العائلات، إضافة لجملة من الانتهاكات الجديدة وتشمل عمليات "جرد" للغرف ولكل حاجياتهم واحتجازهم لساعات طويلة لغاية انهاء التفتيش، وعادة ما يتم ذلك في ساعات نومهم اضافة لعدد من الانتهاكات الاضافية ضدهم وضد أسرهم.
يلخص التقرير المذكور النتائج الرئيسية كما وردت في التقارير الفردية التي قدمها ممثلو مكتب الدفاع العام بشأن ظروف الاعتقال والسجن وحماية حقوق المعتقلين والسجناء، والتي سُجلت في أعقاب زيارات رسمية قاموا بها الى السجون والمعتقلات في الفترة المذكورة، يقع 26 منها تحت مسؤولية مصلحة السجون و 10 تحت مسؤولية الشرطة، و 13 موجودة في مبانى المحاكم وتقع تحت مسؤوليتها والتي يتم إحضار المعتقلين اليها من أجل عقد جلسات استماع في قضاياهم. تم، خلال الزيارات، فحص مدى ملائمة مرافق الاعتقال للظروف المنصوص عليها على أنها تشكل الحد الأدنى من شروط الاعتقال والسجن وفق عدة قوانين ذات صلة، وذلك من منطلق "أن المعايير المحددة بالقانون بخصوص احتجاز المعتقلين ينبغي أن تشكل الحد الأدنى من مستوى الشروط التي يجب أن يحتجز بها السجناء الذين حوكموا".
لقد تم تقديم التقرير وكما في كل سنة، الى جهات مسؤولة عن تطبيق القانون فيما يتعلق بالسجناء وعن مراقبة صحة تطبيقه ومنها: المستشار القضائي، وزير الأمن العام ، وزير العدل، مدير عام الشرطة ، ممثل مصلحة السجون، رؤساء المحاكم التي تم فحصها.
فيما يلي بعض النتائج الأساسية التي يعرضها التقرير:
أ) السجون والمعتقلات التابعة لخدمة مصلحة السجون - يقول التقرير "وجدنا عددا من الانتهاكات الخطيرة لحقوق السجناء . الصورة التي تبرز في عدد من السجون قاتمة. شكاوى حول عقوبات مبالغ فيها في مجالات مهمة؛ التقييد والربط غير متوازن ؛ اكتظاظ شديد ، ظروف صحية سيئة ، وأحيانا إلى درجة تشكيل خطر حقيقي على صحة السجناء وظروف التهوية غير لائقة ، لا فصل بين دش الحمام ومقعد المجاري بحيث يضطر السجناء الى الاستحمام فوق المكان الذي قضى فيه السجناء الآخرين حاجاتهم ؛ نقص في المعدات الأساسية للسجناء؛ قصور في توفير العلاج الطبي ؛ قصور في عملية تقديم التماسات السجناء وفي معاملات لجان اطلاق السراح .." ؛ "في الكثير من المعتقلات.. لا يتماشى الاكتظاظ الشديد في الزنازين مع احترام الكرامة الإنسانية للسجين أو المعتقل " ؛ "نقص في عدد العمال الإجتماعيين نسبة لعدد السجناء، رفض اعطاء علاج اجتماعي للسجناء الأمنيين ؛ قصور في كل ما يتعلق بأطر العمل والتعليم". يؤكد التقرير "أن القصور في هذه المجالات لا يتناسب البتة مع أهداف السَجِن، فالهدف ليس فقط ابعاد عن المجتمع ، بل أيضا فرصة لإعادة التأهيل ومنع العودة إلى المخالفات في المستقبل ودمج طبيعي في المجتمع". في هذه الوضعية من الانتهاكات، يصبح السجن المكان الذي يخدم الهدف الذي، حذر منه ممثلو مكتب الدفاع ، أي الاستبعاد من المجتمع ، والردع ، خاصة عندما لا يتيح السجن أي اتصال مع العالم الموجود خارج جدرانه ، كما في حالة الأسرى السياسيين.
ب) السجون والمعتقلات الواقعة تحت مسؤولية الشرطة – وجدت فيها نتائج مماثلة لسابقتها، بل وأكثر صعوبة. حيث يبين التقرير أنه لا تزال هناك انتهاكات لتعليمات قانون الاعتقالات والأنظمة المسنونة على أساسه ويتضح ان الغرف ضيقة ومزدحمة؛ أوجه قصور خطيرة في الحمام والاستحمام بحيث يجبرون المحتجزين على الاستحمام من فوق مصرف المجاري ؛ انتهاك للحق في المشي يوميا في الهواء الطلق ، مشاكل في تطبيق الحق في لقاء أفراد الأسرة. انتهاك حق المحتجزين في لقاء محام في ظروف مناسبة ودون إبطاء وفي الحق في الحصول الحر وأمور قانونية؛ ونحن نشير الى انه في بعض الحالات المعروفة لمنظمات قانونية، كان هناك شك بتنصت غير قانوني من قبل السجن الى أحاديث المحامين مع المعتقل. يقول كاتبو التقرير انه بالرغم من أنه في بعض هذه المعتقلات كان القصور نابعاً من القيود الموضوعية بشأن حجم المعتقل والفترة التي بني فيها، الا انه "لا يمكننا أن نقبل مع معظم الانتهاكات/التقصير ولا ان نوافق عليها..هناك حاجة لاستثمار الموارد من أجل القيام بإصلاح الوضع في أقرب وقت ممكن".
ج) مرافق الاحتجاز التابعة للمحاكم في جميع أنحاء البلاد - الوضع هناك ليس أفضل حالا . حيث "تتضح صورة قاسية لظروف احتجاز المعتقلين في هذه المنشآت". في عدة معتقلات وجدت "درجة اكتظاظ لا تطاق، غرف لا تتسع الى لعدد قليل من سجناء لساعات محدودة؛ الغالبية العظمى منها بظروف صحية وتهوية دون المستوى المطلوب، أوساخ وروائح كريهة، هناك الكثير من النواقص في وضع الحمامات؛ في العديد من المعتقلات لا توجد شروط محترمة ملائمة للقاء محام -زبون الامر الذي يؤدي إلى اساءة للحق في التشاور ؛ قصور في ترتيبات مرافقة المعتقلين الى المحاكم، مما يتسبب في أضرار جسيمة لحقوق السجناء، ارهاقهم في السفر لعدة ساعات، الخروج من السجون في وقت مبكر جدا اضافة لسفر مسافة طويلة، قصور في توزيع المواد الغذائية والماء لهم خلالها يؤدي إلى ان المعتقلين يصلون مرهقين، جائعين ومحبطين إلى المحكمة، والتي قد تكون مصيرية بالنسبة لهم. قصور في توزيع المعتقلين بعد انتهاء المداولة. زيادة مدة إقامتهم في مرافق الاحتجاز التابعة للمحاكم أكثر من الوقت المطلوب لاستكمال الإجراءات اللازمة لشؤونهم القانونية ، نقل المعتقلين مكبلي الأيدي أو الارجل في اروقة المحاكم والقاعات، بغالبية الحالات أمام أعين الجمهور العام.. مما يمس بشدة بكرامتهم ويؤدي إلى اذلالهم ". وذلك على الرغم من أن القانون يؤكد على عدم تقييد المعتقلين بالاغلال في مكان عام ، إلا في حالة الاستثناءات التي حددها القانون. من المعروف ان المعتقلين السياسيين يتم احضارهم مكبلين بالاغلال من الأيدي والقدمين، ويتم ابقاؤهم بالأغلال أثناء المناقشة بأكملها أمام أعين الجمهور ، بما في ذلك اولاد قاصرين يحضرون المحكمة كاولاد السجين الموقوف نفسه. او اقارب درجة ثانية لا يقدرون ان يروه الا في قاعة المحكمة حيث الزيارة في السجن ممنوعة. لا يمكن الافتراض هنا ان الامر ينبع من اسباب أمنية حقة، فالمعتقل يكون خلال كل النقاش محاطا بعدد من حرس مصلحة السجون، وعدد من افراد امن المحكمة، إضافة إلى حاجز مرتفع يفصله عن الجمهور والقضاة، لذا من الصعب جدا أن نصدق ان التقييد نابع من الخوف على سلامة الجمهور المتواجد بالقاعة.
يشير التقرير أنه "بالرغم من محاولات تحسين الوضع وخصوصا في نقل المسؤولية عن المعتقلات الإقليمية ومسؤولية مرافقة المعتقلين من حراسة الشرطة إلى مصلحة السجون فان الوضع ..ما زال بعيدا عن أن يكون مُرضِيّا.. فالحديث ليس عن مشاكل عينية أو فشل عيني، بل عن مشكلة عامة على نطاق واسع على مستوى الدولة ، التي تؤدي للأذى اليومي والضرر في الحقوق الأساسية للمعتقلين والأسرى ، والأضرار بكرامتهم كبشر " ويأمل معدو التقرير أن يساعد ملخص نتائج الزيارات، المسؤولين في إيجاد حل مناسب لأوجه القصور القائمة خاصة تلك الخطيرة بينها التي تتطلب استجابة وحلول فورية." و "أن تكون لديهم الحكمة كي يستفيدوا من المعلومات من أجل تحسين النواقص الشاملة والخطيرة باسرع ما يمكن".
يؤكد ممثلو مكتب الدفاع العام، أنهم يرون في "المحافظة الصارمة على حقوق وكرامة الأشخاص الذين قام المجتمع ، بموجب القانون ، بسلب حريتهم، أحد الاختبارات الرئيسية للحفاظ على حقوق الإنسان في إسرائيل" . وذلك من منطلق أن السجن يلزم ، بحكم تعريفه ، سلب الحرية ، ولكنه لا يبرر ، بحكم طبيعته ، انتهاك كرامة الإنسان. حيث يمكن تطبيق السجن الذي يحافظ على الكرامة الإنسانية للسجين. من منطلق أن جدران السجن لا يجب ان تفصل بين السجين وانسانيته... والسجن لا يجوز له أن يتحول الى مقفص، والزنزانة ممنوع ان تتحول الى قفص".
ان الصورة التي يعرضها هذا التقرير، تؤكد أن إسرائيل فشلت في اجتياز اختبار احترام حقوق الإنسان في كل ما يتعلق بالسجناء. وتبين أن السجون الاسرائيلية عبارة عن اقفاص تعزل الانسان عن انسانيته ومجتمعه. ان الانتهاكات الخطيرة التي تتحدث عنها هذه التقارير سنة بعد سنة، تؤكد الأمر نفسه الذي تحذر منه منظمات حقوق الإنسان وكذلك السجناء أنفسهم وأسرهم .
فعندما تقوم اجهزة تطبيق القانون كمصلحة السجون والشرطة ذاتها بشكل منهجي وبنيوي ومستمر في انتهاك حقوق الانسان كما يبين التقرير، يثار تساؤل مفاده الى اي درجة يكون ممثلوها حقا معنيين بحل جذري لهذه الانتهاكات؟ وهل ينتظر المسؤولون عن السجون تقارير الدفاع العام ووزارة العدل لتخبرهم بالوضع القائم في سجونهم؟ اليسوا هم المسؤولين عنه؟. وان كان الامر كذلك، وهو كذلك، فما الفائدة من تقديم التقارير لهم؟. وابقاء الامر بمفهوم معين أمرا داخليا وحله ومعالجته رهن رغبة مصلحة السجون ووزير الامن الداخلي والشرطة..
نحن نقول ان مشكلة الأسرى وظروفهم المعيشية داخل السجون وظروف اعتقالهم وسجنهم يجب أن لا تكون مشكلة السجناء الفردية وأسرهم ولا مشكلة داخلية تعالجها مصلحة السجون وغيرها من اقسام هي نفسها سبب المشكلة. وهي ليست شأنا اسرائيليا داخليا، فهذا ما تريده اسرائيل. ان هذه أمور يجب ان تُقلق كل شخص يرفع شعار حقوق الإنسان ويتمسك بالقيم والنهج الإنساني والنقدي حول جهاز القانون و حول القوة المطلقة التي تمتلكها الدولة وأجهزتها ضد مواطنيها، وخصوصا ضد المجموعات الأكثر إضعافا وقمعا من بينها بحكم وضعهم القانوني ، كالسجناء والأسرى.
ونحن نقول ان قلقنا هنا هو بشكل خاص على الاسرى السياسيين ولظروف حياتهم داخل السجون، والتي هي دون المستوى الانساني المطلوب. فاضافة لجملة الانتهاكات الخطيرة التي تحدث عنها التقرير، فان الاسرى السياسيين موجودون في عزله تامة عن أي اتصال مع العالم الخارجي ، باستثناء أقارب من الدرجة الأولى والذي يجري هو ايضا في ظروف قاسية جدا ، لقاء من خلف الزجاج، منع اللمس ، حتى مع القاصرين وكبار السن. فالاسير محروم من حقه أن يشعر بانسانيته . فدائرته الاجتماعية يتم تقليصها لزملائه في الزنزانة ، والقسم بحد اقصى ، وأفراد العائلة المباشرين. عالمه مقلص إلى الحد الأدنى ، حيث يُمنع من القيام بأي نشاط اجتماعي أو تعليمي. مساحة المعيشة الانسانية مقلصة، وتقتصر على الزنزانة، والساحة الدخلية للسجن بساعات قليلة ومحدودة خلال النهار، اضافة لغرفة الزوار التي يحضرها مرة كل اسبوعين للقاء العائلة لمدة لا تزيد عن 45 دقيقة. بينما تمنع منه ايضا أي خدمة اجتماعية . إضافة إلى أن مصلحة السجون تعمد العقاب الجماعي ضدهم، ومنه التفتيش الجسدي لهم ولاسرهم، منع التعليم ومنع الكتب وغيره. الامر الذي لا تتعامل معه مصلحة السجون على انه انتهاك لحقوق الانسان متذرعه بالقانون وتعليمات مصلحة السجون التي تخصص بنودا خاصة لكيفية التعامل مع الأسرى لسياسيين، خلافا للجنائيين.
وبينما تشهد البلاد مؤخرا حالة من الحراك والاحتجاج الاجتماعي ضد السياسات الاقتصادية للنظام القائم وتأخذ المنظمات والنقابات المهنية دورا في هذا الاحتجاج. أتساءل هنا اضافة لكوني زوجة اسير، كعاملة اجتماعية ناشطة في مجال حقوق الإنسان ، اين نقابة العمال الاجتماعيين ، وهي منظمة واسعة وكبيرة من الوضع الراهن في السجون، لماذا تصمت على حقيقة ان الخدمات الاجتماعية في السجون منقوصة وانتقائية وتمنع من اسرى دون غيرهم ؛ لماذا تصمت نقابة الاطباء على ظروف المعتقلات وحقيقة أن العلاجات الطبية التي تقدم للسجناء وللمعتقلين تفتقر إلى الكثير من الأسس المهنية وفيها انتهاك واضح لحقوق المريض؛ وماذا تفعل نقابة المحامين مع حقيقة أن شروط ظروف اللقاء بين المحامي والأسير، خاصة السياسي ، مخترقة داخل السجون تحت تغطية قانونية؛ لماذا تصمت منظمات حقوق الطفل الاسرائيلية، على التمييز ضد الأطفال -أبناء المعتقلين السياسيين – حيث يمنع من هم فوق سن الثامنة ، بموجب تعليمات مصلحة السجون من اللقاء المباشر مع أهاليهم السجناء ! مع العلم ان الدولة نفسها تعرف الطفل بأنه شخص دون سن 18 عاما!
يأكد التقرير أن الاسرى السياسيون الفلسطينيون في السجون الاسرائيلية يعانون من انتهاكات تمس حقوق الانسان، ويعيشون ظروفا تقلل من كرامتهم الانسانية، وحتى تقارير رسمية كالتقرير المذكور، تؤكد بذلك. ولا تقوم دولة اسرائيل بالعمل على تغيير الوضع، وتتعامل معه على انه شأن داخلي يخصها. بينما تصمت النقابات المهنية عن هذا الوضع ولا تثور ضده. من هنا واجبنا فان الاخلاقي والانساني ، التصدي لهذه السياسات وفضحها وتجنيد الدعم الدولي ضدها. وربما كان الطريق الى حماية الاسرى السياسيين هو من خلال المحكمة الدولية ، الأمر الذي يتطلب تعبئة مكثفة وحملات منظمة من منظمات حقوق الإنسان وأصحاب الضمائر والمثقفين النقديين والنشطاء الاجتماعيين والسياسيين.