متى يأتي رئيس الجمهورية الحلم

 




 


حسام حشيش


لازلت أحلم برئيس يمشي على قدميه، حينما يصلي لا يحوطه الحراس عن أعين الله، ولا يمنعون المصلين من مصافحته. لازلت أحلم برئيس يخفض نظره خجلا حينما أشيد به.. وعندما أنتقده لا تحمر عيناه غضبا ولا تهددني زبانيته بالاعتقال، إنما يربت على كتفي بحنو بعدما يقرأ ما بيدى من ورقة المطالب. رئيس يأخذنا لحالة حالمة من الهدوء والرقي ولا يأسرنا بحالة الطوارئ الصاخبة ..يبنى لنا المساكن وليس السجون، يستمع للبسطاء ويعرض عن حاشيته، لا يستسلم لكلمات النفاق والمديح.


 


لازلت أحلم برئيس لا يسكن القصر، له "عشة" من البوص يبنيها بيديه, يقبض مرتبه أول الشهر ويتباحث هو وزوجته في مصروفات الشهر وزيادة الأعباء الأسرية, يغضب زاعقا في وجه محصل الكهرباء ويرفض سداد فاتورة الكهرباء وينادي جاره متسائلا: هل المياه مقطوعة أيضا عندك؟، لا يعطلنا موكبه الرئيسي عن أعمالنا، ولا تضطرنا سياراته الفارهة للانتظار في الشارع الضيق ساعات تحت الشمس الحارقة حتى يمر ووزرائه من الشوارع الواسعة.


 


أنتظر رئيسا يشتري رغيف العيش مثلنا ويهدد بتقديم شكوى لمفتش التموين لسوء حالة الرغيف وقلة وزنه، يقف في طابور طويل ثم في أخره يرفع "أنبوبة الغاز" على كتفه ويعود بها، يشتري من السوق ويتشاجر مع البائعين على الباقي ويستفسر عن زيادة سعر الخضار والفاكهة, رئيس يركب "المترو" ليس فقط للفيتوغرافيا ويسدد ثمن التذكرة من جيبه لا من جيبنا, ويقف ساعات منتظرا أن يأتي "ميكروباص" به مكانا له، أولاده يشبهوننا, زملائنا, نتخرج سويا ونبحث عن العمل معا ولا نجد، فنظل نبحث دون أن يكون لنا ظهر أو بطن أو "كارت شخصي لمسئول".


 


لا يرتدى واقي من الرصاص ولا واقي من دعاء الشعب، ولا تصفعنا صورته وصورة السيدة قرينته وأبنائه يوميا في وسائل الإعلام. نحتاجه إلى جوارنا دوما ولا يخرج لنا كل يوم لسانه خاطبا في الشعب بمناسبة وبدون، فنسمعه خلال الطابور المدرسي، وفي الفسحة، وفي عيد العمال، والفلاحين، و6 أكتوبر، وليلة القدر، وذكرى زواجه الميمون، وعيد ميلاد ابنه حمادة.


 


لازلت أبحث عمن يحكمنا عادلا فيأمن نفسه وينام مطمئنا دون حراسات ولا مخابرات ولا دبابات ولا أسوار القصر العالية. لازلت حتى وإن أعياني وأنهكنى البحث أحلم وأنتظر، حتى وإن اتهمتموني بالجنون فلكّم ما ترونه أمامكم ولي وحدي الحلم أتدثر به ليلا.. علّ الصباح يأتي بوجه جديد ورئيس جديد .