يوسف القعيد : لاسمع ولاطاعة




كان ذلك مساء الأربعاء الماضي .. كنت فى طريقى لمدينة الإنتاج الإعلامى للمشاركة فى حلقة من برنامج "رمضان بلدنا"على قناة الاون تى فى . وما أن اقتربنا من المدينة حتى جاء للسائق " عم احمد "اتصال تليفونى من المحطة يطلب منه الإبتعاد عن بابى 2 ، 4 اللذين تعودنا على الدخول منهما فى كل المرات السابقة .


أثناء عودتنا من طريق الواحات للبحث عن مدخل اخر بعيدا عن المداخل القديمة ، لاحظت وجود سيارات لم اشاهدها من قبل ، إنها نفس نوعية السيارات التى كنا نشاهدها فى كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير قبل وخلال وبعد ايام الجمع التى كانت تخصص للمظاهرات المحمولة والمنقولة من المحافظات لتأدية ادوار معينة فى ميدان التحرير وقد تكشف لنا خلالها، وبعد ذلك حكايات نقل المتظاهرين والهتيفة من أولها حتى آخرها .


عدنا الى أول طريق الواحات ثم توجه السائق لباب طوارئ يحمل رقم "8" لن أصف الطريق اليه حتى لا ينتبه له البلطجية الذين كانوا يحاصرون مدينة الانتاج الاعلامى بهدف منع المترددين عليها من دخولها .. هكذا قيل لنا فى البداية دون ان نفهم سبب المنع .


تحول الأمر لمغامرة تشبه مسلسلات الاكشن الرديئة باب جانبى مواز لطريق الفيوم دخلنا منه، وتجولنا فى أرض فضاء واسعة فكرت لحظة التجوال فيها، إنها من اكثر الاراضى فى بلادنا التى لا نستغلها وما أقل المستغل منها ، كانت المحطة معنا بالتليفون وبعد سير طويل خيل الى انه بلا نهاية ، وصلنا الى مقر المحطة.


كانت مدينة الانتاج الإعلامى فى حالة ارتباك واضح، كان البلطجية يحيطون بمحطة الفراعين مرددين الهتاف ضد المحطة وصاحبها ويحاول البلطجية اغلاق المحطة وتشميعها ، وكانت الأخبار قد توالت عن تقديم بلاغات ضد المحطة إلى هيئة الاستثمار وإلى النائب العام.


بعد وصولنا ، بدأت تتضح الصورة، وبدأنا نعرف فصول الحكاية الزميل الصحفى خالد صلاح رئيس تحرير جريدة "اليوم السابع" ومقدم أحد البرامج فى فضائية "النهار" قال فى اتصال تليفونى مع يوسف الحسينى مقدم برنامج "رمضان بلدنا" انه تم العدوان عليه وتكسير سيارته، وتم منعه من الدخول بالقوة ، وأنه اتجه إلى قسم شرطة السادس من اكتوبر لتحرير محضر بما جرى معه ، وأنه طلب من نقابة الصحفيين ارسال محام من طرفها لحضور تقديم بلاغه وأن المحامى لم يصل اليه .


رواية يوسف الحسينى تداخلت مع حكاية خالد صلاح فسيارة يوسف الحسينى أوشكت أن تتحطم، والعدوان عليه كان على وشك الحدوث، ولكن من الفاعل ؟ خالد صلاح قال فى التحقيق معه انه يتهم حزب الحرية والعدالة، وبالتحديد الدكتور عصام العريان بالعدوان عليه .


يوسف الحسينى سمع من يقول له أن هجوم الإعلام على الدكتور مرسى لابد أن يتوقف ، ونفس الموقف جرى تقريبا بتفاصيله مع تغييرات طفيفة مع الاعلامى عمرو أديب الذى تأخر دخوله من ساعتين ، والسبب طول لسانه وهجومه على السيد الرئيس .


لحظة خروجنا من مدينة الانتاج الاعلامى جاءنا التليفون الذى يطلب الخروج من باب " 4" لأن باب الطوارئ من المستحيل الخروج منه بسبب التزاحم عنده، امام باب " 4" شاهدت مجموعت من الشباب لايقلون عن خمسمائه، ولا يزيدون عن الألف، هذا تقدير مبدئى لأنى لم أجرؤ على النزول من السيارة، ولا الكلام معهم، ولا حتى معرفة عددهم.


كانت الساعة قد تعدت الواحدة من صباح الخميس ، ولذلك اتخذ المحاصرون قرارا بالسماح بالخروج لمن بالداخل مع منع من يحاولون الدخول .


رأيت بعينى ضباط شرطة من أصحاب الرتب الكبيرة يقفون وسط الشباب وكأن الأمر لا يعنيهم ، كأنهم يتفرجون ، واللافتات المعلقة تدافع عن الرئيس الدكتور محمد مرسى ضد منتقديه، وتصف من ينتقدونه بأوصاف تبدأمن الشتائم العادية، وتصل إلى التكفير والتهديد بالعدوان البدنى ، أى أن هذه المجموعات المؤيدة للرئيس يعتدى على دولة القانون وتأخذ حقها بيدها، هذا إن كانت لهم حقوق أصلا ، وهو سلوك مرفوض لأنه يهدم أحد الأسس التى قامت عليها الحضارة المصرية القديمة ألا وهى سيادة القانون .


نظرت للشباب الذين يرتدون الجلاليب، وتعلو وجوههم اللحى الكثيفة. قلت لنفسى انهم لايستحقون حتى وصف البلطجية ، فالبلطجى كلمة تركية تعنى حامل البلطة ، وكان البلطجى يمهد الطريق أمام الجيوش التركية عند الخروج للحرب، فهل يستحق هؤلاء هذا الوصف ؟.


الخطورة فى هؤلاء الشباب تتمثل فى فكرة الشعور الجمعى الذى يجمع مجموعة من الناس حول ما يتصورونه انه فكرة ويجعلهم على استعداد للدفاع عنها حتى بالاعتماد على العضلات والأسلحة البيضاء ، وهو ما يوصل مصر لمجتمع الغابة ، وما يجعل مصر يمكن ان تسمى بدولة البلطجية .


إن دروس التاريخ كثيرة لمن يريد أن يعتبر، فمن جاءت بهم الحرية ضاقوا ذرعا بعد شهر واحد من ممارستها، ومن جاءت بهم الديمقراطية وقفوا ليقولوا لنا انهم يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة، وهى المرة التى تأتى بهم وبعد ذلك تصبح الديمقراطية حراما حراما.