مصر كانت أمس على موعد مع التاريخ، وذلك بإعلان اللجنة العليا للانتخابات نتائج أول انتخابات حرة نزيهة بعد ثورة 25 يناير، حيث فاز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية الثانية بمصر، بعد حصوله على 51.73 في المائة من الأصوات، حاسماً بذلك المواجهة التي استمرت تداعياتها لأيام مع منافسه أحمد شفيق، الذي نال 48.27 بالمائة، بعد أن ردت اللجنة عدداً من الطعون كان بعضها كافياً، في حال الأخذ به، للتأثير على مسار الانتخابات برمته.
وبحسب الأرقام التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية في مصر، المستشار فاروق سلطان، فقد حصل مرسي على أكثر من 13 مليونا و230 ألف صوت، بينما نال شفيق 12 مليوناً و347 ألف صوت، وهي أرقام تقارب النتائج التي أعلنتها حملة الأول بعد ساعات فقط من إغلاق الصناديق في 17 يونيو الجاري.
وبدأ سلطان مؤتمره الصحفي بمطالعة طويلة، قال فيها إن النتائج ترسم "نهاية مرحلة مهمة ببناء الديمقراطية"، مشيراً إلى أن المرشح الفائز سيكون "الرئيس الأول للجمهورية الثانية"
وأضاف: "اليوم احتفال بحصاد ما غرسه شعب مصر الذي أثبت قدرته على مواجهة التحديات."
ولم يخف سلطان حالة التوتر الموجودة في الشارع، وقال: "كنت أتمنى أن نعلن النتائج بأجواء احتفالية، ولكن الأجواء فيها توتر وشحن، وهي انعكاس للأجواء التي مارست فيه لجنة الانتخابات عملها طوال الشهور الأربعة المنصرمة."
وباشر سلطان بعد ذلك الحديث عن مسار الانتخابات منذ بدء عمل اللجنة منتصف فبراير/شباط الماضي، فقال إنها "واجهت منذ اللحظة الأولى حملة شعواء وتخوين وتشكيك شنتها قوى سياسية مختلفة حاولت إضفاء أجواء من الارتباك على المشهد الانتخابي برمته كي تجعل اللجنة على الدوام في موقف المدافع لمنعها من التفرغ لعملها بحياد."
وأشار إلى "البعض" قام بتنفيذ "حملات لخلق مناخ كاذب يوحي بالتزوير إن لم يفز من أرادوا فوزه."
كما أشاد بقرارات اللجنة السابقة لجهة التعامل مع قانون العزل السياسي، الذي كان من المرجح أن يؤدي إلى رفض ترشيح شفيق، غير أن اللجنة أحالته إلى المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعدم دستوريته.
ورأى سلطان أن قرار إحالة قانون العزل للمحكمة العليا "أنقذ البلاد من مأزق دستوري،" انتقد ما قاله المرشحون الخاسرون في الدورة الأولى عن وجود انتهاكات، واستغرب أنه خلال فترة المهلة القانونية للطعن لم يصار إلى تقديم الاعتراضات بشكل صحيح.
وانتقل سلطان بعد ذلك للحديث عن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فأشار إلى أن اللجنة تسلمت 456 طعناً، رفض أغلبها، وتطرق لمعالجة بعض القضايا حتى قبل تسلم الطعون، ومنها التأكد من عدم صحة التقارير حول منع مسيحيين من التصويت في محافظة قنا، مع وجود لجان فرعية لم يقبل على التصويت فيها أحد، فأشار إلى أن تلك اللجان تعود بالواقع لسيدات غالبيتهن مسلمات.
وأضاف سلطان أن الاهتمام انصب على طعنين رئيسين، الأول تزوير بطاقات الاقتراع والتأشير عليها، وزعم البعض أن عددها قارب المليون، والثاني يتعلق بمنع مسيحيين من الاقتراع بمحافظة المنيا، وقال إن ثبوتهما أو ثبوت أحدهما "كان كفيلا بفرض ظلال من الشك على الانتخابات وإلغاء العملية."
وبحسب سلطان، فإن التحقيقات أكدت استبعاد الأوراق المعلّم عليها، والتي لم يتجاوز عددها 2154، ولم يثبت وصولها إلى صناديق الاقتراع، كما لم تُعرف الجهات التي دبرت الواقعة أو خلفيتها السياسية، وبالتالي رفضت اللجنة هذا الوجه من أوجه الطعن واعتمدت النتائج في المحافظات المعنية.
وبالنسبة لمنع المسيحيين في منطقة بالمنيا، فقد أشارت التحريات أنه لم يستطع التعرف على مرتكب محاولة المنع، وما إذا كان قد أدرك هدفه، خاصة وأنه لدى مقارنة نسب التصويت في المنطقة المعنية إذ تبين أن عدد المقترعين بها في المرحلة الثانية كان أكبر من الأولى مما جعل.
وعدد سلطان بعد ذلك مجموعة من الأخطاء الحسابية والطعون في صناديق انتخابية، مع الإشارة إلى الأسلوب المعتمد في التعامل معها، قبل أن يخلص إلى إعلان النتيجة.
هذا وسيكون على الرئيس الجديد معالجة الكثير من الملفات والإشكاليات، فهو بحاجة لتشكيل حكومة قوية.
ولا يرتبط التأزم بالانتخابات الرئاسية حصراً، إذ أن الاحتجاجات في ميدان التحرير تطالب بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وعودة مجلس الشعب للانعقاد، رغم قرار المحكمة الدستورية العليا ببطلانه.
وكان الشارع المصري قد انقسم قبل ساعات من صدور النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية بين ساحتين، إذ تجمع أنصار مرسي، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، في ميدان التحرير، بينما احتشد الآلاف أمام نصب "الجندي المجهول" دعماً للمجلس العسكري، بحضور أنصار شفيق، آخر رئيس وزراء بعهد الرئيس السابق، حسني مبارك.
وقد نفى مصدر مسؤول برئاسة مجلس الوزراء صحة الشائعات التي ترددت بفرض حظر التجول الأحد أو انتهاء مواعيد العمل الرسمية في الساعة الواحدة بعد الظهر، بعدما تناقل البعض هذه الأخبار مشيرين إلى أنها تأتي "تحسبًا لاندلاع الاحتجاجات عقب إعلان نتيجة الانتخابات."
يشار إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون السلطة في مصر، سبق أن حذّر من إثارة الفوضى خلال "المرحلة الحرجة" التي تمر بها البلاد، كما حذر من عواقب الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء، في الوقت الذي يشهد فيه ميدان التحرير، بوسط العاصمة القاهرة، مظاهرة مليونية دعت إليها عدد من الأحزاب والقوى السياسية، تحت شعار "عودة الشرعية."
وأكد المجلس العسكري، في بيان أذاعه التلفزيون الرسمي ظهر الجمعة، على عدد من "الثوابت"، وفي مقدمتها أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة"، وشدد على أن الدولة تخضع للقانون، وأن "استقلال القضاء وحصانته، ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات"، لافتاً إلى أن "الأحكام التي تصدر عن القضاء، تنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها، أو تعطيل تنفيذها، جريمة يعاقب عليها القانون."