تونس : تصاعد الاعتداء على حرية التعبير باسم الدين



حذَّرت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية من تصاعد الاعتداءات على حرية التعبير باسم الدفاع عن الأخلاق الحميدة والدين، ودعت إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن سجناء الرأي في أعقاب الحكم بالسجن لمدد مختلفة على ثلاثة شبان بتهمة الإساءة للإسلام والمسلمين.


وفي 11 أبريل 2012، أصدرت محكمة في "مدنين" بجنوب البلاد حكماً بالسجن لمدة أربع سنوات على رمزي عبشة، البالغ من العمر 25 عاماً، بتهمة "الاعتداء على  المساجد" والإساءة للشعائر الدينية"، وذلك بتدنيس القرآن في عدد من المساجد في مدينة بن قردان الواقعة في جنوب شرق تونس. ولا يزال محتجزاً في سجن حربوب المدني في الجنوب، بانتظار موعد الاستئناف الذي قدمه محاميه.


وقد تم تصوير رمزي عبشة على شريط فيديو وهو يقول إنه ألقى بالقرآن في دورة المياه في مساجد بن قردان، وإنه فعل ذلك بسبب نقمته على الإسلام، وإنه شخص علماني وذو ميول مثلية ويريد أن يتزوج من رجل.


وقالت عائلته ومحاميه إن رمزي مختل عقلياً وإنه كان خاضعاً للمعالجة النفسية. وفي حين أن أفعال رمزي عبشة اعتُبرت مسيئة من وجهة نظر الكثيرين، فإن تلك الأفعال والدوافع المعلنة التي تقف خلفها تظل جزءاً من حقه في التعبير السلمي عن آرائه. وتعتبره منظمة العفو الدولية سجين رأي وتدعو إلى إطلاق سراحه فوراً وبلا قيد أو شرط.
وفي قضية منفصلة، أصدرت محكمة في المهدية حكماً بالسجن لمدة سبع سنوات على غازي الباجي وجابر الماجري في 28 مارس، إثر نشر رسومات مسيئة للنبي محمد وكتابات أخرى على الشبكة العنكبوتية وموقع "فيس بوك"، اعتبرتها المحكمة مسيئة للإسلام والمسلمين.


وأُدين الرجلان بتهم ترويج و نشر كتابات من شأنها تعكير صفو النظام العام، الاساءة للغير عبر الشبكات العمومية للإتصالات و الاعتداء على الأخلاق الحميدة.
وقد حُكم عليهما بموجب المادتين 226 و 121 (3) من قانون العقوبات والمادة 86 من قانون الاتصالات، التي تجرم استخدام شبكات الاتصال لإلحاق الضرر بالآخرين عمداً أو تعكير صفوهم. ويُحتجز جابر المجاري، الذي قُبض عليه في 5 مارس، في سجن المهدية، في حين حُوكم غازي الباجي غيابياً، وهو يقيم حالياً في الخارج.
إن منظمة العفو الدولية تعتبر جميع الأشخاص المدانين بسبب آرائهم السلمية سجناء الرأي، وتحث السلطات التونسية على إطلاق سراحهم فوراً وبلا قيد أو شرط، وإسقاط التهم الموجَّهة إلى الأشخاص الذين يمثُلون أمام المحاكم.


وقالت المنظمة إن هذه القضايا، بالإضافة إلى الأحكام التي صدرت مؤخراً بسبب "الإخلال بالنظام العام والأخلاق الحميدة" تشير إلى اتجاه مقلق لمحاكمة أشخاص بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير ليس إلا.


وقد استُخدمت المادة 121 من قانون العقوبات بشكل متكرر في الأشهر القليلة الماضية، حيث تم تجاوز قانون جديد للصحافة، دخل حيز النفاذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وتجرِّم هذه المادة توزيع المواد المطبوعة التي تخل بالنظام العام أو الآداب العامة، وتنص على فرض عقوبة السجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات، مع غرامة تتراوح بين 120 و 1200 دينار تونسي ( 80-800 دولار أميركي).


وفي حين أن حماية الآداب العامة أو النظام العام قد يكون سبباً مشروعاً لفرض قيود على حرية التعبير، فإنه لا يجوز فرض مثل هذه القيود إلا في حالة الضرورة القصوى. وحتى في هذه الحالة، ينبغي اتخاذ التدابير الأقل تقييداً. إن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- ويُذكر أن تونس دولة طرف فيه- تنص على حماية التعبير السلمي، بما في ذلك الأفكار والآراء المتعلقة بالدين. وكما ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام بشأن الحق في حرية التعبير، فإن "جميع أشكال الرأي ينبغي أن تحظى بالحماية، بما فيها الآراء ذات الطبيعة السياسية أو العلمية أو التاريخية أو الأخلاقية أو الدينية". وأضافت اللجنة تقول إن ذلك "يشمل حتى التعبير الذي ربما يعتبر مسيئاً للغاية".


وقد استخدمت السلطات هذه المادة لتوجيه تهم ضد الصحفيين العاملين في جريدة "التونسية" اليومية الناطقة بالعربية بسبب نشر صورة سامي خضيرة وهو لاعب كرة قدم ألماني من أصل تونسي مع صديقته التي تظهر عارية، وقد غطَّت يداه نهديْها. وتم تغريم محرر الجريدة مبلغ 1000 دينار تونسي في 8 مارس.


وكانت المادة نفسها قد استُخدمت في السابق ضد مالك قناة "نسمة" التلفزيونية نبيل القروي بسبب بث نسخة مدبلجة باللهجة التونسية من فيلم "بيرسيبوليس"، وهو فيلم رسوم متحركة حائز على جائزة، يدور حول الثورة الإيرانية التي اندلعت في عام 1979، ويُروى من منظور فتاة صغيرة. وقد أثار الفيلم ردود فعل غاضبة، ويمثُل نبيل القروي للمحاكمة بتهم "انتهاك القيم المقدسة" و "الإخلال بالنظام العام" على الرغم من أنه حصل على التصريح الضروري لبث الفيلم على الهواء من السلطات. وشهدت المحاكمة التي عُقدت من جديد في 19 أبريل وجوداً أمنياً كبيراً بالقرب من مبنى المحكمة. وقد دعا محامو نبيل القروي المحكمة إلى إسقاط التهم الموجَّهة ضده وتبرئة ساحته لعدم توفر أساس قانوني لمحاكمته. ومن المتوقع صدور الحكم في 3 مايو .


إن هذه المحاكمات التي أُجريت والأحكام التي صدرت مؤخراً تثير القلق في وقت يتطلع العديد من الناس إلى السلطات التونسية كي تضرب مثلاً يُحتذى به من خلال تكريس الحقوق الأساسية في الدستور الجديد للبلاد. وإن استمرار تآكل الحق في حرية التعبير أمر غير مقبول على الإطلاق في تونس الجديدة، ويتعين على السلطات التونسية وضع حد لهذا الأمر.


وقد صدرت الأحكام الأخيرة على خلفية استمرار مشاعر الإحباط التي يحسُّ بها العديد من التونسيين، وارتفاع مستويات البطالة والفساد المتصوَّر.


واصطدم المحتجون الغاضبون بقوات الأمن ولا سيما في منطقة الملاحة في ميناء رادس في 13 أبريل وفي مدينة أم العرائس بالقرب من قفصة بجنوب البلاد في 14 أبريل، ويقال إن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود. واشتكى العديد من سكان منطقة الملاحة من إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع في منازلهم عندما جاءت قوات الأمن للقبض على أبنائهم.


وقد اندلعت الاحتجاجات في كلتا المدينتين على أثر نتائج التوظيف في الشركة التونسية للشحن والترصيف وشركة فوسفات قفصة، وتعتبر هاتان الشركتان المشغِّليْن الرئيسييْن في المنطقتين. وادعى الشباب المتعطلين عن العمل أنهم حُرموا من حقهم في التوظيف بسبب التلاعب الذي اكتنف عملية التوظيف.