حلب : أ ف ب.
اضطرت ام فايز على مدى عامين الى غسل الثياب بيديها نتيجة الانقطاع الدائم للكهرباء عن مدينة حلب، لكنها اليوم تنتظر كغيرها من السكان عودة الخدمات بعد اربع سنوات من الدمار والمعارك.
وبعد استعادة الجيش السوري السيطرة على كامل حلب، عاصمة البلاد الاقتصادية سابقا، تحتاج اعادة الخدمات الرئيسية من كهرباء ومياه وغيرها الى المدينة اشهرا طويلة بعدما تسببت المعارك منذ سيطرة الفصائل المقاتلة على الاحياء الشرقية في العام 2012 بتضرر اكثر من خمسين في المئة من البنى التحتية والابنية بشكل جزئي أو كلي.
تجمع ام فايز وهي سيدة في الخمسين من العمر، الثياب المتسخة في منزلها المظلم في حي الفرقان قبل ان تباشر بغسلها. وتقول لوكالة فرانس برس "لم اشغل الغسالة منذ عامين، نغسل على ايدينا لكن المياه باردة جدا الآن ولم يعد بمقدوري فعل ذلك". وتروي "حتى اننا بعنا مكنسة الكهرباء، فما الفائدة منها اليوم؟".
وفي مواجهة انقطاع الكهرباء، عمد سكان حلب الى الاعتماد على المولدات التي لا تكفي لتشغيل كافة الاجهزة الكهربائية في المنازل، كما انها تتوقف عن العمل عند منتصف الليل حتى الصباح توفيراً للوقود.
يصل ابو فايز، الرجل الستيني، بعد منتصف الليل الى البيت المظلم. وفي الطريق من متجر بيع الحلويات الذي يملكه، لا يجد الا اشعال الولاعة ليرى امامه.
ما ان يحل منتصف الليل في شرق حلب حتى يخفت ضجيج المحركات وتنطفئ الاضواء ويسود الظلام الدامس، باستثناء ما يتسرب من داخل المنازل من أضواء الشموع الخافتة أو شواحن تعمل على البطاريات.
ويقول ابو فايز "قبل الحرب كنا نصل ليلنا بنهارنا، لكننا اصبحنا مضطرين حاليا لاغلاق المحل مع موعد توقف المولدات".
قبل الحرب، كانت محطة توليد الطاقة في منطقة السفيرة (30 كيلومترا جنوب شرق حلب) المحطة الاساسية التي تزود حلب بالكهرباء. لكنها توقفت عن العمل قبل اكثر من عامين نتيجة اضرار المعارك التي لحقت بها وبشبكة الامدادات.
وتحتاج البنية التحتية لشبكة الكهرباء في حلب الى تأهيل كامل. وبالاضافة الى مشاريع تزويد الكهرباء، تحتاج الاعمدة الكهربائية المحطمة والاسلاك المتشابكة في كل حي لاى عملية اصلاح كبيرة.
ويقول مصدر في وزارة الكهرباء لفرانس برس "يجري العمل حاليا على مشروعين تمولهما الحكومة لتزويد حلب بالكهرباء" بكلفة تفوق اربعة مليارات ليرة سورية (نحو ثمانية ملايين دولاراميركي). يحتاج المشروع الاول 45 يوماً لانجازه، اما الثاني وهو الاكبر، فسينفذ على مرحلتين على مدى عام ونصف العام.
وبالاضافة الى الكهرباء، لم تسلم محطة سليمان الحلبي، محطة ضخ المياه الاساسية في حلب من المعارك. ويجري العمل حاليا على تقييم الاضرار فيها.
وكانت الفصائل المعارضة تسيطر على المحطة التي يعمل فيها حاليا ثلاث مضخات من اصل تسعة.
ويوضح رئيس قسم الميكانيك في المحطة عيسى كورج (42 عاما) لفرانس برس ان المضخات الثلاث توفر المياه "لمساحة لا تتجاوز عشرين في المئة من الأحياء"، مشيرا الى ان "المحطة تحتاج لاشهر طويلة" كي تستعيد سابق عهدها.
ويشير مدير عام مؤسسة المياه في حلب فاخر حمدو الى تعرض مستودعات المحطة "للسرقة"، لافتا الى صعوبة استيراد التجهيزات اللازمة بسبب العقوبات الدولية على سوريا. ويتحدث عن "معاناة في تأمين قطع بديلة".
وتبدو اثار المعارك واضحة في المحطة حيث النوافذ المكسورة والابواب المحطمة، في حين تتدلى الالواح الحديدية من سقف طاله الدمار.
وتضخ المحطة من سد نهر الفرات الواقع في شمال البلاد تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، ما يشكل ايضا عائقا اساسيا امام عملها.
ويشرح حمدو ان "المصدر الرئيسي للمياه هو تحت سيطرة داعش وهو المتحكم الرئيسي بكميات المياه الواردة الى المدينة من منطقة الفرات"، مشيرا الى ان التنظيم يعمد دائما الى قطع المياه.
يستنفر مجلس بلدية حلب ورشه منذ ايام. ويولي المجلس اهمية خاصة للمدينة القديمة الاثرية التي لم تسلم من الدمار والمعارك جراء موقعها على خط تماس سابق.
ويقول مدير مدينة حلب التابع لمجلس المدينة نديم رحمون لفرانس برس ان حلب القديمة "خط احمر". ويوضح ان العمل سيجري على "تصنيف الاحجار في المدينة القديمة لاعادة استخدامها في مرحلة اعادة الاعمار"، بحيث يتم الاحتفاظ بكل حجر كان جزءا من نسيجها العمراني.
ورغم ان عودة الخدمات الرئيسية الى المدينة تحتاج اشهرا، لكن الاهالي يشعرون بالراحة مع بدء عمليات فتح الطرق المقطوعة بين الاحياء.
ولا يتردد السكان للوصول الى وجهتهم في القفز بين الحفر او تسلّق السواتر الترابية، في حين تعمل الجرافات والاليات بشكل متواصل على رفع الركام وفتح الطرق خصوصا عند نقاط التماس السابقة بين الاحياء الغربية والشرقية.
ويلفت رحمون الى ان المحافظة تدخلت "بشكل فوري لفتح المحاور الرئيسية" من اجل "عودة نبض الحياة الى المدينة من فعاليات تجارية واقتصادية وخدماتية".