طبعا مش محتاجة أوصف حالة ناس كتير من بعد نتائج الانتخابات فى المرحلة الأولى.. فيه ناس بتتنطط فى الشوارع بمنطق الهيه هيه هيه بتاع الفسحة اللى حكيت عنه الجمعة اللى فاتت.. وفيهم من يرقص رقصة الهنود الحمر ويطلق الصرخات الشمتانة الفرحانة الأوفر دى.. ويفرك يديه فى سعادة ويلعق شفتيه فى تلمظ وآكلك منين يا بطة.. آدى فصيل.
■ فصيل آخر يجلس فى الغرف المكيفة وعلى الصالونات واضعا رجل على رجل فى ألاطة وثقة أوفر برضه، محركا رأسه بعظمة كمن يقول: «قولتلكوا حاكتسح ما صدقتونيش».. وقد يطرقع قزازتين شمبانيا حلال من غير كحول بصفته متحضر شوية عن اللى قبله.
■ وثالث.. ينظر حوله بنظرات زائغة كمن يسأل: «طب وأنا فين يا جدعان.. دانا محسوب عليكوا.. يا خسارة الترحيلة والغربة جوه وبره والتصفيات الجسدية اللى روشت بيها العالم.. كده.. تاخدونى لحم وترمونى عضم؟.. ما يطلعليش ولا طعمياية واحدة؟؟».
■ أما الفصيل الرابع والمكون من أشكال وألوان من الاتجاهات والمرجعيات.. فلا يبدو مذهولا قوى.. لكن تتجاذبه أحاسيس مختلفة.. شوية صدمة وشوية فرحة.. فقد أثر فى الشارع فى ثلاثة أشهر فقط، وحقق نسبة لا بأس بها تستحق الاحترام.. وذلك كمجرد بداية..
■ أما الخامس وهو الأقدم والأكثر أصالة.. فيبدو منهمكا فى إعادة حساباته أو هكذا يجب أن يكون.. مرددا فيما بينه وبين نفسه «ورق الكوتشينة لازم يتفرط ويتفنط تانى.. بعض الحركات والحسابات الخاطئة أفقدتنى كل الأصوات التى كان من الطبيعى أن تنضم لى.. كنت أنا الأولى.. لكن تتعوض»..
■ نيجى للناس العادية بقى.. منقسمة إلى ثلاثة أقسام: ناس بتزيط وهيه هيه هيه.. ما تعرفش فاهمين والا مش فاهمين.. وناس قلقانة لأنها أدلت بأصواتها بنية انتقامية نكاية فى آخرين.. لكن لما النتايج ابتدت تهل.. قرطموا ضوافرهم م القلق.. وإيه النيلة اللى عملناها فى نفسنا دى.. الله يلعن ده على ده على ده..
■ وناس مصدومة لدرجة اليأس المميت.. كارهين حياتهم والبلد والعيشة واللى عايشينها والشعب اللى ماكانوش يعرفوا عنه حاجة.. جزء بيقول دى ما بقيتش بلدى اللى اتربيت فيها وحاسيبها وأغور.. والتانى بيقول قاعد على قلب اللى مش عاجبه لطالون.. وعموما، هم يسخرون سخرية لاذعة مرة سوداء باكية.. يجلدون فيها ذاتهم وبعضهم البعض.. وهنا سيسجل التاريخ أيضا كما هائلا من الإبداع المر وعشق الوطن لكن بشروط.. أنصح كل المتصارعين على الكراسى أن يطلعوا على هذا الزخم من الإبداع.. علهم يدركون كيف هم محبوبون أو مكروهون.. فكلها دروس مستفادة..
■ أما أنا.. فلا عاجبنى كده ولا كده ولا كده.. ولكنى أجد لزاما على بصفتى مواطنة صوتها بيعمل فرق.. أن أوجه كلامى خبط لزق كده لحزب الحرية والعدالة.. أنا لا أحبكم.. كده ميولى وعلى كده اتربيت.. أخافكم ولا أصدقكم.. ومرعوبة على بلدى منكم.. أنا مواطنة مصرية قح.. لا أحمل هويات أخرى غير مصريتى.. ومصرة عليها لدرجة الموت.. مسلمة وإسلامى وسطى.. زيى زى أهلى وعشيرتى وجوزى وولادى ومدرستى وجامعتى وأساتذتى ومثلى العليا ورموزى وكله.. ولأن ميولى مدنية ليبرالية فأنا أحترم الاختلاف لأقصى درجة.. طالما هذا الآخر المختلف عنى لا يلف حبلا حول رقبتى.. وأضرب على أى يد تقتحم خصوصيتى أو تحاول العبث فى مفاهيمى ومعتقداتى كما أفهمها وكما اخترت أن أتعلمها من العلماء الذين اختارهم عقلى.. أعشق حريتى وفنى ونمط حياتى.. أختال بأنى امرأة.. وأختال أكثر بالرجل الذى يحترم عقلى ووجودى.. ولست مستعدة لتغيير كل هذا تحت أى ظرف، بل أقطع إيد اللى يحاول.. أحترم نتائج الانتخابات لأنى أدفع ثمن إنى انجريت من لسانى فى يوم من الأيام وناديت بالديمقراطية.. لدى تحفظات لا نهائية على كل السيناريوهات التى أوصلتنا لما نحن فيه الآن منذ الخامس والعشرين من يناير 2011.. ولكنى واقعية وأحاول أن أواجه الموقف، متخطية إلقاء اللوم على هذا أو ذاك.. فالتاريخ لن يفلت منه أحد والحساب يجمع.. سيوصم الموصوم ويكافئ المظلوم.. خصوصا أنه قد كتب بالدم.. أستعوض الله فى ضحايانا وعيون شبابنا.. ولكنى لن أنسى ثورتنا ولا ثوارنا الحقيقيين الذين أوصلونا لهذه الطوابير الطويلة وأوصلوكم لما سوف تحصدون من مغانم.. وأعدكم ومن هم مثلى بأن هذه الثورة لن تخمد أو تنسى أو تموت.. ولذلك أتقبل تماما فوزكم بأى عدد من مقاعد البرلمان.. حتى لو كانت أغلبية.. ما عنديش مشكلة.. طالما أنكم ستنفذون ما تعدون به من دولة مدنية.. حرة.. أبية..
■ ولكن لدى شروط.. أتمنى أن تكون واضحة لديكم.. أن تعملوا بالتعاون مع الأحزاب الأخرى المدنية الحرة وعلى رأسها الكتلة المصرية الذى أثبت تواجدا فى ثلاثة أشهر، وانتزع أرضية كان الكفاح عليها مستميتا من قوى أخرى.. ألا تتخيلوا أن حجمهم وقف عند هذا الحد وأن هذا سقف طموحهم.. فمشوارهم فى أوله.. وإحنا لسه فى المرحلة الأولى.. مدوا يد التعاون لتلتقى بأيديهم بمنتهى الإخلاص.. فأنتم تحتاجونهم.. جدا.. لتحققوا لمصر الرخاء الاقتصادى الذى نحلم به جميعا.. وأن تزدهر السياحة كما كانت بل أضعاف المرات.. وأن يعود المستثمر الأجنبى إلى مصر آمنا مطمئنا إلى أنه سيتعامل مع بشر عاقلين وليسوا أشباحاً أو طيور ظلام.. لأ وكمان ناس عندها دين مش نور زى اللى غاروا.. وأن يزدهر الفن المصرى بجميع أشكاله ويعود للريادة التى يستحقها ويتم تصديره بالكامل.. وأن تحترموا حرية الإبداع المصرى.. وأن تحترموا التاريخ والآثار وموقع مصر الثقافى المتميز.. وأن تشجعوا الصناعات التى توقفت، والتى كنا خارج أسواقها.. وتشرعوا القوانين التى تيسر ذلك.. أنتم رجال تجارة واقتصاد وتعرفون قيمة الاستثمارات.. ورجال سياسة شاطرين.. فلن يكون هذا صعبا عليكم.. وستحتاجون حتما للعقول المتطورة الدارسة الواعية، التى تتوفر بكثرة فى هذه الأحزاب المدنية الليبرالية.
■ أرحب بكم طالما تحققون ما وعدتم به من مدنية وحرية وعدالة.. ولا أرحب بكم إذا ما تحالفتم مع قوى تعود بنا للوراء وتحولنا إلى نماذج مكررة من بن لادن والظواهرى.. فى هذه الحالة تخسرون كل ما حصدتم من مكاسب.
■ أتمنى أن تأتوا بشباب الإخوان.. ولا تتبوأوا المناصب بأنفسكم.. فإذا كنتم ترددون أنكم كنتم مع الثورة منذ اليوم الأول.. فهو شبابكم الذى كان فى الميدان.. وهو الذى يستحق الدفع به للأمام.
■ أن تعطوا الفقراء سنارة، فيصطادوا بها سمكهم ويشتروا زيتهم وسمنتهم.. فاليوم توزعون العطايا.. ولكنها غدا ستكون عبئا لا تقدر عليه إلا حكومات واعية غنية فاعلة نشيطة..
■ إنكم وباقى الرابحين لديكم مهلة قصيرة.. بضعة أشهر فقط لهذا البرلمان الذى سيذهب ويأتى غيره.. ولذلك فالمسؤولية ثقيلة ومضاعفة.. فلا تفرحوا بكثرة المقاعد.. كل مقعد وراءه عشرات الآلاف من الرقباء، خصوصا من اختاروكم.. والحديث للكل.
■ أنصح بألا تتمسكوا بالحكومة البرلمانية.. فهذا ليس وقته.. نحن نحتاج إلى رئيس جمهورية.. قد يعرض عليكم خطته وحكومته.. فيجد الموافقة وتطلق له الصلاحيات.. وينطلق إلى عمله.. رئيس دون صلاحيات، يبقى لا مؤاخذة من وجهة نظرى.. عك.
■ اكتسبوا ثقتنا الكاملة.. ليس إلا بالصدق.. لأن العيون ستكون مفتوحة والحساب سيكون عسيرا.. نحن لسنا على ضفتى نهر.. بل نحن معكم فى نفس العبارة.. غيروا فكرة الناس عنكم.. فهم يخلطون بينكم وبين أتباع الظواهرى وبن لادن.. افتحوا نفسنا عالحياة يا إخواننا.. ساعتها سنتقبلكم.. ولن تكونوا خبرا سيئا يهبط على رؤوسنا كالصاعقة.. ويجعلنا نشعر بالخنقة واليأس والسواد.. وهى أفكار ظلت ثابتة لسنين.. فإذا كنا نطالب بالتغيير فسوف نرحب بالإيجابى المستنير منه.
■ أنا كمواطنة ليس لدى أى مانع من أن أفتح كفى وأرحب بكم مع إنى ما بحبكمش.. احتراما للإرادة الشعبية.. وتنفيذا للى تنشك ف عينها الديمقراطية.
■ أخيرا.. إلى الدكتور عمرو حمزاوى.. ألف مبروك.. بليت ريقنا يا جدع.