د. جمعان الغامدي : من يحكم قطر؟

قال بن أبي سلمى: وإن سفه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلم. وكأن هذا الشاعر الجاهلي الحكيم يستقي معاني بيته هذا من واقع مرير لمسناه من الإساءات المتكررة للشيخ يوسف القرضاوي التي يوجهها من منبر عمر بن عبدالعزيز أو منبر دولة الجزيرة.
هذه الممارسات المسيئة التي تصدر من قطر التي تتشدق بانتمائها للعروبة وللخليج إنما تعكس واقعاً أقرب إلى الانشقاق منه إلى الاتحاد المعنوي أو المادي. لم تكن الإساءة في يوم من الأيام تندرج تحت حرية التعبير أو الرأي ولم تكن المنابر إلا وسائل للوعظ، حتى أُبتلينا بالإخوان فتحولت المنابر إلى وسائل للآراء السياسية وأصبحت الإساءة للدول والشعوب والمجتمعات والمنظمات جزءا لا يتجزأ من أدبيات الإسلام السياسي.
لقد كنا نتوقع من الحكومة القطرية أن تكبح جماح هذا السفيه عندما تعرضت الشقيقة مصر وجيشها لإساءات بالغة من القرضاوي، لكن ما حدث لم يتجاوز إيقافه لجمعة واحدة فقط ذراً للرماد في العيون، ثم عاود النشاط وكأن شيئاً لم يكن، تحت حجة حرية الرأي والتعبير.
هذه التصرفات تثير العديد من التساؤلات عما إذا كانت الجارة قطر تسمح لمواطنيها بأقل القليل الذي تسمح به مصر أو السعودية أو الإمارات من حرية تعبير ورأي، والإجابة المعروفة بطبيعة الحال هي لا.
إذن ما الذي يجعل الحكومة القطرية تغض الطرف عن مواطنها القطري الجنسية المصري الأصل أن يمارس مثل هذه التعديات الصارخة على الدول والشعوب العربية وليس آخرها الإساءة للشقيقة الإمارات العربية المتحدة وشعبها الخليجي العربي المسلم؟ خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يقوم بها بذلك.
التبرير الذي قدمه وزير الخارجية القطري، ومع كامل الاحترام لشخصه، هو تبرير مضحك وفيه تسطيح للعقلية الخليجية لا يمكن تمريره أو قبوله بسهولة.
نأمل من الخارجية القطرية أن تحترم بدورها الشعوب الخليجية. فالدولة التي تصدر حكماً بالإعدام لمجرد كلمة أو بالسجن لأكثر من عقد لمجرد كلمة أخرى، لا يمكن أن نقبل منها تبريراً بأنها غير معنية بإساءات تصدر من مواطنها القرضاوي ضد دولة خليجية شقيقة.
ولعل من المؤكد أن القيادة القطرية قد لمست حجم التدمير الذي يمارسه الإخوان على أي أرض كانت لهم مقاماً أو مقراً. ولعلها كذلك لمست وتلمس ما يحدث في مصر من تفجيرات وعمليات للتنظيمات الحركية للإخوان، ومع ذلك لم توجه مواطنها للحديث عن هذه الأعمال التي تعصف بأمن الشقيقة مصر ووحدتها الوطنية، بل تركت لمواطنها أن يتهم الإمارات الشقيقة بما لا تقبل به الحكومات ولا الشعوب.
هذه الممارسات التي وجدت ردة فعل غاضبة من الشعب الإماراتي وشعوب المنطقة الأخرى لم تجد أي رد من إخوان الخليج وكأنهم متفقون مع شيخهم الذي يلعب باقتدار دور المرشد العام إن لم يكن هو بالفعل المرشد الخفي، بوصفه الأب الروحي للجماعة ومرجعية كبار قادتها.
هذا الصمت الحكومي القطري والصمت الإخواني الخليجي ينذر بما لا تحمد عقباه من تفكك لعرى الشعوب الخليجية استكمالاً لمهمة التنظيم الدولي للإخوان وتوافقاً مع أجندته التي يعمل على تنفيذها بوضوح.
الصمت الحكومي القطري وعدم اتخاذ موقف حاسم وحازم يشير بأن قطر تحولت بالفعل إلى حزب معارضة إخواني أكثر من كونها دولة ذات سيادة.
مما يعني وبلا أدنى شك تعريض دول الخليج العربي برمتها إلى خطر الانقسامات والتشرذم. للأسف الشديد هذه حقيقة يعكسها واقع التعامل الحكومي القطري مع النفوذ الإخواني فيها. فمن يحكم قطر؟

فاصلة،
لعل الضوء آخر النفق هو صدور أمر ملكي سعودي أثناء كتابة هذا المقال حول تجريم الانتماء للتيارات والجماعات المتطرفة. نعم هو متأخر كثيراً ولكن أن يصدر خير من ألا يصدر.
نأمل أن يتم تفكيك “المفككين” وأشباههم والضرب بيد من حديد على هذه التنظيمات وقادتها، وأن تعلم قطر أنه لا الحكومات ولا الشعوب الخليجية يمكن أن تسمح لأدوات التنظيم الدولي بزرع الشقاق في بلدانهم.
ولا زال هناك أمل.