روبرت فيسك : محاكمة مرسي
كلنا نعم أن الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي يواجه القضاء لأول مرة اليوم ، وقد صرح : "نا الرئيس الشرعي للجمهورية".
وتحولت قاعة المحاكمة إلي ضجة ، حيث صاح الصحفيون المصريون – ممن تجنبوا المشاركة الصحفية – ونادوا بإعدام مرسي، وستة من معاونية المتهمين، ولم يقم أحد من ضباط الشرطة – حيث كان هناك المئات منهم مرتدين زيهم الأبيض، أو الملابس المدنية، أو السترات الواقية – بمحاولة منع هذه الفوضى.
وفي نفس الوقت ، يتقاتل المحامون الموكلون للدفاع عن الإخوان المسلمين مع الصحفيين، ورجال الشرطة علي مقاعد المحكمة ، بينما يراقب مرسي ورفاقه ، في لقاءهم الأول بعد ثورة 3 يوليو ، الوضع بهدوء من خلف الأسوار.
ومن السهل إصدار النكات حول هذا الكرنفال الذي حدث في المحكمة، حيث يتوسل رجال الشرطة إلي جماهير الصحفيين للتوقف عن الصراخ والقتال، بينما يتابع الرئيس السابق للبلاد خلف الأسوار ببذلته الأنيقة ولحيته الرمادية.
كان هذا جزءا من مأساة مصر ما بعد الثورة، أن يحاكم القائد المنتخب بتهمة التحريض علي القتل ، وهو اتهام إذا تم إثباته أمام المحكمة قد يكلفه حياته، ولا أحد يعتقد أن هذا سيحدث.
ولم يكن الصحافيون لينادوا بشنقه إذا تأكدوا أنه سينال هذه العقوبة حقا ، مثل مرسي تماما ، لم يكن ليدعي أبدا أنه مازال الرئيس الشرعي للبلاد إلا إذا كان متأكدا من ذلك حقا. هو الجوهر الحقيقي لجلسة الاستماع الأولي من نوعها، للتأكد إذا ما كانت مصر بعد الثورة تتملك ديمقراطية فعالة، للتأكد إذا ما كانت الأنظمة العربية تمثل شعوبها، أو اذا ما كان الشعب الذي كافح، ومازال يناضل بشجاعة من أجل كرامته وحريته، لابد له الآن أن يحيي القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
ولم يكن هناك بشائر جيدة في هذا اليوم، فقد ظهرت الشرطة في أبهى صورها، فقد تصافحوا بالأيدي، وكانوا مبتسمين طوال الوقت، أخذوا جوازات السفر، والهواتف النقالة، كما فتشوا الحقائب، والملفات، والكتب، وبمجرد وصولنا لقاعة المحكمة وجدناها ممتلئة بالمزيد من رجال الشرطة . حيث شغل المئات منهم المقاعد الأمامية، والممرات الجانبية، وعلي المنصة خلف كرسي القاضي، هذا غير العشرات المحشورين في القفص الحديدي للتصرف في حالة إذا حاول مرسي فرد أجنحته للطيران عبر القضبان.
ولم يظهر مرسي علنا من بعد الثورة، ولكنه يبدو لائقا بما يكفي، وربما ازداد وزنه قليلا، ويتحدث بحماس مع رفاقه السجناء ممن يرتدون الحلل البيضاء.
كما كان هناك صديقه في الحزب محمد البلتاجي، وعصام العريان نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون . كان هناك هتافات غير واضحة لم أتبين قائلها من الضجيج الذي يملأ قاعة المحاكمة، ولكن أعتقد أن هذا الأخير هو من صاح أن محكمة الجنايات لا يمكنها النظر في قضيتهم ، وأصدر هتافات مثل : "غير قانوني ..، غير عادل ..، غير دستوري" . كما قال العريان أن جميع المتهمين تم تعذيبهم، ومنعهم من توكيل محامين منذ القبض عليهم.
واشتكى المحامون من أنهم لم يأخذوا الوقت الكافي للإعداد لهذه القضايا، وطالبوا بمعرفة سبب ظهور رجال بزي مدني، وكاميرات خلف المحكمة، ولماذا يضيع رجال الشرطة وقتهم في التقاط صور للمحامين الذين يعملون علي قضية مرسي ورفاقه، وقد قرر القاضي أحمد صبري يوسف عدم التوضيح.
وفي مرحلة معينة، أشار المحامون لمرسي ورفاقه بأصابعهم الأربعة (وهو رمز رابعة رمز المعارضة للإخوان) مع صور الصحفي المؤيد للاخوان والذي اغتيل في ميدان التحرير ، مما أثار موجة من سخرية الصحفيين المصريين، وبعض رجال الشرطة.
وعندما قام القاضي بنطق اسم "محمد مرسي" قام مرسي بمقاطعة القاضي بصوت عالي وواثق قائلا : " أنا رئيس الجمهورية .. الانقلاب جريمة، والمحكمة مسئولة عن هذه الجريمة، وكل ما يحدث هنا هو غطاء للانقلاب، وإنها لمأساة أن يصبح القضاء المصري العظيم غطاء للانقلاب".
وقد صاح مرسي مرة أخرى: "لا تسمح لهم بخداعك ، إن كل هذا في مصلحة الأعداء .." ، كما كان هناك أقاويل أخرى لمرسي، ولكن كان من الصعب علي سماعها، كما قال أنه يحترم رجال القضاء، ولكن إجراءات تقديمه للمحاكمة غير صحيحة وفقا لدستور 2012 ، كما قال : "أنا رئيس الجمهورية، ومحتجز ضد إرادتي"، ولهذا السبب أصر أنه مازال رئيسا للبلاد، لأنه إن لم يكن كذلك ، فمن يجب محاكمته اذن؟
لكن مرسي استمر في المقاومة، وعندما تعالت الأصوات علي صوته، سمعناه يطلب مكبر صوت، أو شئ مثل هذا حتي يتمكن من الحديث، ولكن كان رد القاضي : "ليس الآن".
إن كان هناك محكمة يمكنها أن تقسم شعبا الي نصفين، فقد قامت هذه المحكمة بذلك . ربما يكون لمرسي الحق القانوني للاعتراض علي جلسة الاستماع، ولكن للأسف ، فهناك عدد غفير من الناس ممن يظنون أنه لم يكن من المفترض ترشيحه أصلا، لأنه لم يتصرف يوما كرئيس ، وتم عزله من السلطة في يوليو السابق، وذلك لتخطيطه بعمل انقلاب خاص به.
وخارج أكاديمية الشرطة ، والتي تقع في صحراء القاهرة الجديدة ، يستعد الضباط بقنابل الغاز لمواجهة مئات المتظاهرين المؤيدين لمرسي.
كما كان هناك بعض القوات حول أماكن توقف السيارات. وقد قررت المحكمة التأجيل حتى 8 يناير المقبل.