هروب الحيتان عبر النائب العام



هروب الحيتان عبر النائب العام


رضا حمودة


لا شك أن من أهم مطالب ثوار 25 يناير، تطهير مؤسسة القضاء، بل إن من أهم مطالب أي ثورة في التاريخ تحقيق العدالة الاجتماعية، التي كانت إحدى أهداف ثورة يناير, وكان من الضروري لتحقيق تلك الغاية إقالة النائب العام عن منصبه الذي قبع فيه منذ عام 2006، وقد توافقت القوى الثورية دون استثناء على هذا المطلب، ذلك أن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، أحد رجال نظام المخلوع مبارك، ولن تفلح عملية تطهير منظومة العدالة متمثلةً في القضاء إلاّ بإبعاد رأس النيابة العامة.


 


وبعيداً عن الخوض في أزمة النائب العام الأخيرة وتداعياتها التي أفرزت استقطاباً حاداً ومصطنعاً من بعض التيارات الثورية، التي لم تستطع التخلص من مراراتها الشخصية تجاه التيارالإسلامي وفي المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمين، وتخلت عن هدف أصيل من أهداف ثورة 25 يناير وهو تحقيق العدالة الإجتماعية الناجزة، مقدمةً مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن باختيارها الوقوف إلى جانب النائب العام والتدليس على الرأي العام بدعوى استقلال القضاء، وهو حق أُريد به باطل, فقد قام المجلس العسكري قبل رحيله بالتجديد للنائب العام لأربعة سنوات قادمة منذ العام 2011، فضلاً عن محافظ البنك المركزي، وكلاهما كانا ممن عيّنهما المخلوع مبارك، وقد سار المجلس العسكري على خطى مبارك فجدّد للرجلين لأربعة أعوام العام الماضي.


 


لا يستطيع المرء أن يفترض البراءة حين هرب مرشح رئاسة الجمهورية الخاسر الفريق أحمد شفيق، بعد إعلان نتيجة الإنتخابات بفوز الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية, لاسيما بعد تقديم عدد من البلاغات بالتربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام للنائب العام، تتهم سيادة الفريق بالفساد بالأوراق والمستندات، سواء في وزارة الطيران المدني، التي تولى مسئوليتها منذ مارس من العام 2002، قدمها عدد من العاملين بالوزارة، أو قضية أرض الطيارين بالبحيرات المرة بمحافظة الإسماعيلية، التي كان يترأسها شفيق نهاية الثمانينيات، والتي كشف عنها المحامي البارز والسياسي الشهير عصام سلطان قبل وأثناء انتخابات الرئاسة، ولم يتم إتخاذ أي إجراء إزاء شفيق أوتحريك للقضيتين إلاّ بعد انتهاء الماراثون الرئاسي (على أمل فوز الفريق بالرئاسة وبالتالي دفن القضية إلى الأبد)، لكنها إرادة الله التي تعلو فوق أي إرادة، حتى لو كانت إرادة المجلس العسكري والنائب العام- الأمر الذي يلقي بظلال من الشك والريبة إزاء سكوت النائب عن التحقيق وتحريك تلك البلاغات الجدية قبل وأثناء انتخابات الرئاسة، ما يجعل قرار وضعه ضمن قائمة الترقب والوصول كالعدم بعد أن غادر شفيق البلاد.


 


أما قضية أباطرة الصحافة القومية إبراهيم نافع (الأهرام) وسمير رجب (الجمهورية)، المتهمان في قضايا تربح وفساد مالي وإداري وإهدار صارخ للمال العام، فقد رسّخت لدى الكثيرين معنى التواطؤ الفج وانعدام الثقة في النائب العام نفسه، ذلك أنه قبل صدور القرار بمنع الرجلين من السفر بأيام معدودة قد حملا حقائبهما وطارا إلى حيث يريدان، حيث طار نافع إلى ألمانيا بينما طار سمير رجب إلى باريس قبل ثلاثة أيام من قرار منعه من السفر، الأمر الذي يطرح بدوره ألف علامة استفهام عن دور مكتب النائب العام في تسريب معلومات (من الكونترول) من شأنها التأثير على سير العدالة، ما يثير شكوكاً حول أداء رجال النائب العام مهام وظائفهم على النحو القانوني، ويضع النائب العام نفسه في دائرة المسئولية عن سلوك وأداء موظفي مكتبه وعدم الحفاظ على سرية الإجراءات القانونية المتبعة في مثل تلك القضايا الحساسة، وهذا مايطرح تساؤلاً هاماً.. هل المشكلة في النائب العام نفسه أم في أعضاء مكتبه من القضاة الأجلاء؟