إبراهيم عبدالمجيد : حجة كامب ديفيد




بداية لست في حاجة إلي القول إنني من الجيل الذي عارض اتفاقية كامب ديفيد بقوة، فكنا دائما مطاردون في أرزاقنا وأعمالنا، وعرفتنا السجون المصرية بتلفيق تهم باطلة مثل الانتماء الي تنظيمات سرية، والعمل علي قلب نظام الحكم.


لكن بعد الاعتداء الارهابي الجبان علي قواتنا المسلحة في رفح تردد الحديث عن ضرورة إعادة التفكير في شروط معاهدة كامب ديفيد التي لا تجعل لنا جنودا ولا معدات كافية علي الحدود لحمايتها. هذا الحديث لا غبار عليه .


وموضوع إعادة الاتفاق أو الشروط لا يختلف عليه أحد. لكن من الأحاديث المتكررة حول هذا الموضوع بدا وكأن ذلك هو سبب نجاح الهجوم القذر علي قواتنا المسلحة. وهنا يجب أن نعود إلي الحقائق الأهم. وهي أنه قد مضت الآن أكثر ثلاثين سنة علي معاهدة كامب ديفيد التي لاتمنع أبدا تعمير سيناء. بل علي العكس كان يجب استثمار المعاهدة وحالة السلام بين مصر واسرائيل لتعمير سيناء لتصبح عامرة بالسكان والمشروعات الصناعية والزراعية التي وهي تجذب الملايين من أهل الوادي ستكون طريقا لاندماج أهل سيناء وخروجهم من عزلتهم التي حكمت بها عليهم الأنظمة المتوالية، ليظلوا في حالة القبلية، والبعد عن الحياة المعاصرة التي لا أعتقد أبدا أنهم يكرهونها أو يرفضونها.


لقد تحولت شواطئ سيناء إلي منتجعات سياحية ولا بأس وغير ذلك فلا. مصنع أسمنت هنا أو هناك. بل كان وجود الرئيس المخلوع في شرم الشيخ سببا أن تظل سيناء علي ماهي عليه بحجة الأمن, رغم أن الأمن الحقيقي يأتي مع العمران وليس مع الخراب. وبعيدا عن هذه السياسة المنحطة في إهمال سيناء وقصرالاستثمار علي الشواطئ التي هي بعيدة عن شرم الشيخ تظل خرابا معظم العام رغم مبانيها السياحية. بعيدا عن ذلك أنظر الي حالة الجندي المصري علي الحدود وأمامه الجندي الإسرائيلي.


اذهب إلي رفح وانظر لتري أي حالة من البؤس عليها الجندي المصري بدءا بملابسه قياسا إلي الجندي الإسرائيلي الذي يبدو مدججا بالسلاح، وزيه الجديد، والأجهزة التي يحملها، والأبراج التي يقف عليها، والأضواء التي لا تنقطع من هذه الأبراج ليلا تمسح مساحات كبيرة من الحدود.


هل هذه حالة تليق بجنودنا، ونحن نسمع كل يوم عن جيش يمتلك المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية فضلا عن ميزانيته الأساسية من موازنة الدولة. وكل هذه المشاريع كما نعلم ونسمع من أجل الاكتفاء الذاتي للجنود، فكيف يكون هذا حال الجندي علي الحدود . كيف يري أمامه الجندي الاسرائيلي في حالة مختلفة ولا ينعي حاله، ويتمني ان تنتهي مدة تجنيده ليعود إلي أهله.


وبعيدا عن ذلك أيضا. هل كان الهجوم الأخير هذا مفاجئا. طبعا لا. أعلنت اسرائيل قبله إجلاء رعاياها من سيناء توقعا لأعمال إرهابية. ورد عليهم محافظ شمال سيناء بأنه لا صحة لهذا الكلام. وأذاع التليفزيون المصري برنامجا نبه فيه المذيع أسامة كمال إلي ضرورة الانتباه للأعمال الإرهابية التي يمكن أن تحدث . وقبل ذلك هاجم الإرهابيون العام الماضي قسم شرطة في العريش وقتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا .


وقبل ذلك أيضا وحتي الآن تتفجر أنابيب الغاز بفعل منظمات إرهابية. لكن طبعا محافظ شمال سيناء في النهاية يتصرف بطريقة الموظفين. طريقة الحزب الوطني التافهة القديمة. كيف أقول إن هناك تهديدا في محافظتي وماذا افعل أنا إذن؟ وهل سيتركني رؤسائي في مكاني بل هل سيسمحون لي أصلا أن اقول ذلك؟ وللأسف فات المخابرات المصرية أن تعرف أو تتوقع ولا أعرف كيف فهمت تحذيرات إسرائيل. ليس المخابرات فقط ولكن كل القيادات العسكرية الكبيرة المسئولة. واذا صح أنها أبلغت الرئيس فتكون مصيبة.


وهكذا نجح الهجوم الذي كان يمكن توقعه في ساعة الإفطار التي فيها ينشغل الجنود بالطعام وتخلو الطرق. كان يمكن الاستنفار لعدة أيام قليلة. أسبوع أو عشرة أيام حتي يظهر الهجوم, وفي هذه الحالة كانت نسبة فشله أكبر. كان يمكن تقسيم الجنود ساعة الإفطار بين الأكل والحراسة في كل سيناء, وكذلك استمرار الحراسة علي كل الأبنية المهمة في سيناء لعدة أيام بنفس الناس وتنظيمهم. لكن المسئول في أي مكان خاف أن يقال إنه خائف وأن الأمن عنده في خطر فمات من أبنائنا من مات والله يكون في عون عائلاتهم.


أكبر ما يفجع أنهم ماتوا وكانت فرصة حياتهم سهلة جدا لو تم اعتبار ما أعلنته اسرائيل لرعاياها إنذارا حتي ولو نصف جاد. لكن ربما تقعّر المسؤول واعتبر أن إعلان إسرائيل لذلك جزء من الحرب النفسية ولا يعرف حضرته أنه من الصعب علي حكومة إسرائيل أن تضحك علي شعبها بالضبط كما هو من الصعب عليها أن تفقد واحدا من شعبها. واحد فقط أيها السادة. لا يمكن تشخيص ماجري في سيناء إلا بأنه تقصير عسكري لا يجب أن يمر دون حساب. وليس مهما اننا سنهتم بسيناء بعد الآن لأنه من الطبيعي أن نهتم. وليس مهما أن نعرف الجناة لأنه من الطبيعي أن نعرف! لكن المهم أن نعرف من المقصرين وكيف ستتم محاسبتهم. فهل سيحاسبهم الرئيس.


لقد سمعت تعليقا موجزاً وحقيقياً من أحد الأشخاص من السويس علي قناة الجزيرة يقول لعل في ذلك موعظة أن يبتعد الجيش عن السياسة، ويعود الي عمله الحقيقي . وأرجو ان يكون قد سمعه قياداتنا العسكرية. ليس مهما الآن أن يقتسم الجيش السلطة، ولكن المهم أن يكون جيشا لحماية الوطن من الأعداء.


وإلا اذا ظل الصراع علي السلطة بين المجلس العسكري والرئاسة أكثر من ذلك سيحدث ماهو أفظع ولا نتمناه ولا نريده لا لابناء جيشنا ولا لوطننا. ويظل السؤال من سيحاسب المقصرين الآن، أما كامب ديفيد فهي لا تمنع أحدا أن يعمل بإخلاص!