عمرو حمزاوي : خطر الديماجوجية
ديماجوجية، والمعنى هنا هو الخطاب السياسى الأهوج والتحريضى والممارِس لتخوين المخالفين والمتلاعب بأفكار المواطن عبر التهييج والمنطلق دوما من مصالح شخصية أو حزبية ضيقة أو من قراءة قاصرة للواقع، من يتمسحون بالدولة المدنية للدعوة لانقلاب عسكرى على رئيس منتخب لا تختلف عن ديماجوجية بعض القيادات المنتمية للإسلام السياسى وتلك المتحالفة معها حين تدعى أن الأحزاب والتيارات المدنية تعمل لمصلحة «العسكرى» وتتخلى عن المبادئ الديمقراطية خوفا من الإخوان.
وما لم تتخلص حياتنا السياسية من ممارسى الديماجوجية هؤلاء أو على الأقل تهمشهم، لن تتمكن أبدا الجماعة الوطنية من إدارة نقاش عقلانى ورشيد يهدف للتوافق حول الإجراءات الديمقراطية المطلوبة.
فهؤلاء، بغض النظر عن تفاوت مواقعهم ودرجات تأثيرهم الفعلى على مجريات السياسة فى مصر، لا ينتجون إلا استقطابات متتالية واتهامات متبادلة ومن ثم يحدون كثيرا من القدرة على مناقشة المطروح علينا انطلاقا من قاعدة لا تخوين ولا إقصاء وبعين على المصلحة الوطنية فقط.
ولم يكن حال مصر خلال الأيام القليلة الماضية، التى دارت بها عجلة السياسة مدفوعة بقرار الرئيس بعودة مجلس الشعب ثم بحكم المحكمة الدستورية بإيقافه، إلا دليلا قاطعا على خطر الديماجوجية البالغ. أخذ الداعون لانقلاب عسكرى على الرئيس ولتدخل العسكر فى السياسة ومعهم المتهمون لكل المدنيين بكونهم حلفاء العسكر ومحفزيهم على التدخل خوفا من نتائج صندوق الانتخابات نقاشنا حول قرار الرئيس باتجاه كارثى لم يسمح بصياغة هادئة لمواقف ابتعدت عن الديماجوجية.
حاول البعض فى أوساط الأحزاب والشخصيات المدنية صياغة موقف يمكن من تأييد الهدف السياسى للرئيس، المتمثل فى انتزاع سلطة التشريع من «العسكرى» ومن ثم إسقاط بند أساسى من الإعلان الدستورى المكمل ويبحث عن طريقة لتحقيقه لا يشوبها إهدار أحكام القضاء. لرئيس الجمهورية صلاحيات تشريعية تمكنه من اقتراح القوانين وتعطيه الحق فى إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وله من ثم عمليا أن يعطل سلطة تشريع العسكر. للرئيس أن يسارع مع الجماعة الوطنية لإصدار قانون جديد لانتخابات مجلسى الشعب والشورى وإجراء الانتخابات خلال فترة قصيرة لتجاوز المأزق الراهن. للرئيس أن يستفتى الشعب على إلغاء الإعلان الدستورى المكمل ويفتح الباب لإعادة تشكيل قواعد المرحلة الانتقالية ٢. جميع هذه الإجراءات هى محل توافق بين الكثير من المدنيين وكان يمكن الحوار حولها مع الرئيس وحزبه وبقية الإسلاميين بغية تحقيق مصلحة مصر. مجرد التأكيد على رفض الانتقاص من سيادة القانون وعلى أن قرار الرئيس أحاطت به الشبهات مع التوافق على الهدف السياسى كان مدعاة للتخوين والمزايدة من جانب متهمى المدنيين جميعا بالاصطفاف مع العسكر. والموافقة على قرار مرسى، كما فعل البعض من الوطنيين من خارج دوائر الإسلاميين، لدفع العسكر بعيدا عن السياسة كانت سببا أيضا فى ممارسة التخوين بحقهم بادعاء ممالأة الإخوان.
لم نتمكن من إدارة مثل هذا الحوار العقلانى والرشيد بفعل ممارسى الديماجوجية الذين لا عمل لهم إلا التهييج من على المنصات وفى الإعلام، دعوة لانقلاب عسكرى من هنا وتخوين من هناك. وليس انكماش المساحة المتاحة للحوار بين أطراف الجماعة الوطنية بمدعاة للطمأنينة؛ فالتحديات المطروحة علينا لن تقف عند الموقف من مجلس الشعب ولا عند الإعلان الدستورى المكمل. أمام مصر الكثير فى ما يخص الدستور الجديد وإصلاح مؤسسات الدولة وتطهيرها فى إطار العدالة الانتقالية والاستجابة للمطالب الديمقراطية المتمثلة فى الإفراج عن المعتقلين والمسجونين عسكريا منذ الثورة وللمطالب المعيشية للمصريات والمصريين.
أمامنا الكثير، وما لم نلتفت لخطر الديماجوجية وممارسيها ونهمشهم سياسيا ومجتمعيا لن ننجز شيئا فى مصر. تعقلوا وارحموا مصر من أن تصبح حكرا على مهيجى المنصات والإعلام. ولا تستجيبوا لمدعى الديمقراطية والالتزام الثورى حين يخونون ويعتدون لفظيا (شبكات التواصل الاحتماعى) وماديا (الاعتداءات التى وقعت عند مجلس الدولة وفى ميدان التحرير) عند الاختلاف، ولا لطالبى النجدة من العسكرى حين يستمرئون الحديث عن سيادة القانون والمدنية وهم يدعون لانقلاب عسكرى.
* عن صحيفة "الوطن" المصرية