الكلمة الوحيدة التي من شأنها أن تحدد مستقبل النظام الدستوري في مصر لن ينطق بها إلا وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، وهي "نعم أو لا" لترشيحه لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر لايقلل من القضايا الأخرى التي تجري مناقشتها، فالقضايا الجدلية مثل الدين والدولة وموقف الجيش والنظام الذي سيختار رئيس مصر المقبل عليه واجبات أو وجود مجلس الشورى والهيئات القضائية والضمانات جميعها كبيرة ، لكن في ظل الاطار القانوني في مصر وهياكل الدولة الإستبدادية في أطرها الأساسية وأساليب عملها، فلاشيء سيتغير بين عشية وضحاها. وبعيدا عن الدستور فإن الأسئلة الأكثر الجوهرية فيما يتعلق ببنية الدولة تعتمد على قرار الفريق السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية، فإذا ما قرر السيسي الترشح للرئاسة، فربما سيعمل الدستور على إحياء أو تقوية السلطالت الرئاسية التي هيمنت على الدولة المصرية طيلة أكثر من نصف قرن، ومالم يترشح فربما تعمل الأجهزة الرئيسية في الدولة بطريقة أكثر لا مركزية وكلا المسارين ليس من المرجح أن يعملا بشكل ديمقراطي. سقوط مبارك كان نهاية لقبضة الرئاسة على جميع مؤسسات الدولة، ولن يكون لأي رئيس مدني القدرة على إعادة إحياء مثل هذا الوضع، ولكن الأوضاع ربما تختلف إذا شغل السيسي منصب الرئيس، إذ لن تكون المؤسسة العسكرية معزولة في ظل وجود شخص من صفوفها على رأس السلطة، كما أن الأجهزة الأمنية من المرجح أن تسير على نفس الخط، إذا كان هناك رئيس قوي من الجيش. إن شعبية السيسي واحتمال تحقيقه فوزا كاسحا ربما يمنحاه قوة فوق الأحزاب السياسية المدنية والفاعلين السياسين بما يسمح بإعاد حكم مصر من قبل الرئاسة، كما أن الوضع سيكون مختلفا بالطبع عما كان في الحقبة الناصرية أو في عهد مبارك. التي شهدت جهازا أمنيا لا يرحم وهيمنة الحزب الواحد. ومع ذلك فإن رئاسة السيسي ربما تواجه بعض العقبات، حيث الاستقلال المؤسسي للعديد من الجهات الفاعلة وسيحتاج الرئيس إلى إبقاء العين ساهرة لضمان أن الجيش لن يستغل مكانته المتميزة للحشد وراء منافس. فيما أن وجود برلمان ممزق يصعب السيطرة عليه، كما أن استمرار المظاهرات والعرائض والانتقادات العلنية التي لا ترحم ستجعل من الصعب توجيه المجتمع سياسيا. وإن الوضع الحالي حيث تتحمل القيادة المدنية المسؤولية الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والخدمات الاجتماعية في حين يحتفظ الجيش باليد الطولى دون أي مساءلة ربما يكون هو الوضع المثالي لجنرالات الجيش. لهذا السبب فإن من غير المحتمل أن يترشح السيسي للرئاسة، إذ أن انتقاله من منصبه الحالي إلى الرئاسة لن يكون له ميزة، وإنما يحمل مجموعة من الأتعاب، وربما على المدى الطويل تحول بعض المتحمسين له إلى مشككين، خاصة إذا استمرت الخدمات العامة والاقتصاد في التراجع. إن الاختيار بين البديلين ، إما البقاء مع أجهزة دولة مقسمة وعاجزة ، أو مع آخر أكثر توحدا وحسما ربما يخلق ضغوطا سياسية على السيسي للترشح للرئاسة، وهذه نتيجة للخيارات السياسية التي صنعها المصريون الصيف الماضي.